بيانات شخصية للبيع في سوق العالم الرقمي بقلم: طاهر علوان

  • 11/28/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

نحن أمام ظاهرة سوف تتحول إلى علامة من علامات الزمن الرقمي القادم، اذ لا يمكن لعجلة الحياة الاقتصادية والتجارية أن تستمر بالدوران من دون خزين كاف من البيانات الشخصية.العرب طاهر علوان [نُشر في 2017/11/28، العدد: 10826، ص(18)] ربما هي سوق أخرى غير مألوفة وشكلها ومحتواها غريبان تماما ولم يسبق البيع والشراء فيها. الإنسان العادي لن تهمه مثل هذه الأخبار التي يشعر أنها هلامية وفيها مبالغات وكأنها شغل من لا شغل لهم، لكن فجأة وهو يعبئ استمارة على الإنترنت أو يعطي بياناته الشخصية لفتح إيميل أو لغرض الشراء أونلاين تظهر أمامه عبارة سوف تدير رأسه. تلك العبارة تقول ما معناه “نحن نتعهد لكم بحفظ بياناتكم الشخصية وعدم بيعها أو الاتجار بها أو السماح لأية جهة الاطلاع عليها”. هنا سوف يشعر الإنسان العادي بشيء من الشك وشيء من الاستغراب وسيرن جرس السؤال في رأسه: “إذًا فالبيانات الشخصية يمكن أن تباع أو تؤجّر أو يطلع عليها طرف ثالث”. واقعيا نحن أمام ظاهرة سوف تتحول إلى علامة من علامات الزمن الرقمي القادم، اذ لا يمكن لعجلة الحياة الاقتصادية والتجارية أن تستمر بالدوران من دون خزين كاف من البيانات الشخصية. لن يعود ذلك أمرا مرتبطا بالخصوصية بل سيتم تجاوزها بمسوغات تفرضها حركة السوق فرضا. السوق ستطالب بمعرفة أنماط المستهلكين وتفضيلاتهم ومواسم إنفاقهم والسقف المالي لمشترياتهم والأقسام التي يترددون عليها أكثر من غيرها في سوق التجزئة. واقعيا إن تخطيط الشركات لمستقبل إنتاجها وتسويقها يجب أن تقابله دائرة بيانات مكتنزة بالمعلومات التي تسهل أن تذهب البضائع لمستهلكيها لا أن تبقى على الأرفف. واقعيا تساهم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعال في ترويج تلك الظواهر فالخوارزميات الرقمية هي مثل حراس مقنعين يختفون خلف تلك الواجهات ويضعون أمامك تفضيلاتك تباعا. ولهذا ترى الإعلانات التجارية التي يتم اختيارها وعرضها أمامك إنما هي عزف على وتر معرفة ميولك واتجاهاتك. ينسحب الأمر على ما سيصل إلى الشخص من بريد شبه يومي يتضمن عروضا مغرية وبيعا بالتقسيط وقروضا وما إلى ذلك، لكن السؤال هو من أين لهؤلاء الذين يقصفون بريدنا الإلكتروني بالعروض التجارية هذه المعلومات؟ والجواب هو المتاجرة غير المرئية بل السوق السوداء لبيع البيانات الشخصية. بالأمس أعلنت مفوضية المعلومات في بريطانيا فرضها غرامة على إحدى الشركات البريطانية مقدارها عشرون ألف باوند حيث اتضح أن تلك الشركة قد قامت ببيع معلومات وبيانات شخصية لأكثر من نصف مليون شخص إلى جهة ما. المفوضية ذاتها تعرض في موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت قائمة تضم العديد من الشركات التي تمت معاقبتها بغرامات مالية بسبب قيامها بإرسال مئات الآلاف من الرسائل الإلكترونية (سبام) إلى مشتركين عشوائيين تمت عملية شراء بياناتهم الشخصية من جهة ما. بالطبع سوف تحضر هنا مجموعات الهاكرز التي صار بإمكانها المتاجرة بالبيانات الشخصية في سوق سوداء عالمية واسعة النطاق وغير مسيطر عليها. البريد الإلكتروني وكلمات المرور لمئات الآلاف من الأشخاص كانت قد بيعت في تلك السوق الخفية ولم يستطع أحد السيطرة عليها، وتشير الدراسات إلى أن هذه المعضلة سوف تتفاقم وسوف تتحول إلى ظاهرة ربما غير مسيطر عليها. الدخول في هذه الدوامة يحيلنا إلى الضغط الذي تمارسه الأسواق والمطالبة التي لا رجوع عنها بالبيانات الشخصية لغرض بناء خطط التطوير والتسويق والإنتاج والترويج والإعلان التجاري. لا شك أنه سوف يأتي زمن يصبح بيع البيانات الشخصية مباحا وواحد من شروط قبول التسجيل في أي نشاط أو الانتساب إلى منصة من منصات ووسائط التواصل الاجتماعي أن توافق على بيع معلوماتك الشخصية. سوق العالم الرقمي التي تتاجر بالبيانات الشخصية للملايين من البشر سوف تصبح حقيقة لا فرار للمجتمعات منها. كاتب عراقيطاهر علوان

مشاركة :