منذ وقت طويل وأنا أفكر بالكتابة عن المعوقات التي تواجه الكتاب السعودي.. لم تشجعني تجاربي السابقة حتى سمعت -مثل غيري- بتعيين معالي الدكتور عواد العواد وزيرا للثقافة والإعلام. أكتب مقال اليوم وأنا أحمل لمعاليه خبرين، الأول جيد، والآخر سيئ.. الخبر الجيد هو أن السعودية ليست فقط أكبر سوق للنشر، بل وتعيش طفرة كبيرة في أعداد المؤلفين والكتب التي تصدر منها كل عام. أما الخبر السيئ (والذي أتمنى أن يتذكره معاليه على الدوام) فهو أن ليس لوزارة الثقافة والإعلام دخل في هذه الطفرة. فالوزارة توقفت منذ وقت طويل عن دعم الكتاب السعودي، وتحولت بمرور الوقت إلى عقبة في وجه المؤلفين ودور النشر.. أصبح الكتاب الورقي يعاني من البيروقراطية وكثرة القيود، في حين تتجول نسخته الإلكترونية بحرية في فضاءات الإنترنت. أبرز مشكلة تواجه الكتاب السعودي هي أنه صناعة غير متوازنة يأتي فيها المؤلف كآخر المستفيدين. أول المستفيدين هي المكتبات ونقاط التوزيع التي تستقطع 50% من قيمة الكتاب كأرباح (مقابل وضعه على الرف فقط).. ما يتبقى؛ يتقاسمه الناشر، والطابع، والموزع، والمؤلف الذي لا ينال في النهاية سوى 10%. وحين يحصل المؤلف على هذه النسبة الضئيلة لن يفكر بتكرار التجربة (حتى إن لم تواجهه أي عقبات أخرى) ونخسر بالتالي فرصة ظهور كتاب ثانٍ وثالث ورابع.. حتى مؤسسات النشر لا يصبح أمامها غير الانسحاب من السوق أو الضغط على المؤلف للقبول بنسبة أقل (وفي حال رفض، يمكنها طبع المزيد دون علمه أو الالتفات للكتب المترجمة وكتب التراث التي لا تتضمن حقوقا فكرية). الكتاب يا معالي الوزير منتج ثقافي، وليس سلعة مادية تخضع لقوانين العرض والطلب.. ولهذا السبب نطالب الوزارة بالتدخل لتعديل المعادلة وضمان حقوق المؤلف من خلال تخفيض أرباح المكتبات ونقاط التوزيع (بحيث لا تزيد مثلا على 33% من قيمة الكتاب). أما بخصوص نصيب الوزارة (من مشاكل الكتاب) فيمكن فصله إلى فرعين: الأول: البيروقراطية والبطء في فسح الكتب الجديدة (وأعلم جيدا عما أتحدث كون كتابي "شعب الله المحتار" ما يزال في أروقة الوزارة منذ أكتوبر 2015). والثاني: إلغاء الفسح بعد منحه رسميا، وسحب الكتب المجازة بعد صرف مبالغ كبيرة على طبعها وشحنها وتوزيعها. حين تسمع معاناة الناشرين تدرك أن الوزارة ليست حريصة على سوق النشر، ولا تملك مبادئ جادة لتقييم وفسح المؤلفات الجديدة.. تترك التقييم (الثقافي والعلمي) لموظفين مدنيين لا يتقيدون بسقف زمني أو رسمي أو بروتوكولات متفق عليها. جميعنا يعرف أن مفهوم الرقابة بأكمله غير موجود في الدول الأخرى.. ومع هذا يمكن لوزارتنا الموقرة وضع ثلاثة شروط أساسية للبت في أي كتاب (خلال 24 ساعة).. يمكنها محاكاة القاعدة الشرعية "الأصل في الأشياء الإباحة" بحيث يكون الأصل في الكتب "الإباحة" ما عدا التي تتعرض لثوابت الدين، ووحدة الوطن، والإباحية الجنسية. كل ما يخرج عن هذه المطالب أو الشروط الثلاثة يصبح مجرد آراء شخصية نترك للقارئ (وليس لموظف الوزارة) خيارات قبولها أو رفضها.. وللحديث بقية...
مشاركة :