صحيفة وصف:أ.د صالح بن سبعان يظن بعضنا أن الحفر في الذاكرة بحثا عن الصور القديمة يعدّ نوعا من أمراض الحنين أو النوستولوجيا، وربما يكون هذا هو الوجه السلبي لها عند البعض ممن أنهكهم وأرهقهم الرقص على إيقاع الحياة المتسارع يوما بعد يوم، وإن الجلوس بهدوء تحت ظل شجرة الذكريات بين حين وآخر بما يشبه «استراحة المحارب» يعدّ شيئا ضروريا للحفاظ على التوازن النفسي، وقد وجدت نفسي على حين غرة تحت ظل هذه الشجرة ، حين كانت الحياة أبسط واجمل من ما نحن عليه بكثير. تذكرت كيف كانت أبواب القلوب تظل مفتوحة ببشاشة ولا أدري أين اختفت تلك الضحكات والابتسامات الصادرة من القلوب عندما يتبادل الناس التهاني والتبريكات في مختلف المناسبات بفرح حقيقي، والأحضان مفتوحة لهم بحفاوة، ينثروا الفرح والصخب الجميل على الجميع دون تميز ولا تفريق بين الناس ! كان الفرح آنذاك بالناس أكثر من فرحهم بما يلبسون او مايملكون، هذا أولاً لأن مستويات الناس المادية كانت متقاربة، ثم إن البسيط من الأشياء كان يضاعف فرحتهم، فلم نكن نعرف قيمة الفرق بين الماديات الأخرى في قيمتها وفي جمالها وفي الفرح الذي يزرعه في قلب صاحبه، كان هذا شأن الصغار والكبار، فقد كانت للكبار معاييرهم في تقدير الناس ووضعهم في المكان اللائق بكل واحد منهم، فالغني بمقاييس ذلك الزمن كان يقف تأدبا في حضرة الكبير ولو كان هذا الكبير أفقر الناس، فقد كان لسنه اعتبارها، وكذا مقرئ القرآن والمعلم، وكان الحب والإحترام والتقدير هي الأشياء الوحيدة التي تلغي المسافات بين االجميع، بين العالم والجاهل وبين الفقير والغني، فقد كانوا يذوبون جميعا انصهارا روحيا في بعضهم بعضا، وتصبح الأماكن وكأنها خيمة فرح واحدة. هل تراني أسقط في الحنين وأرثي الأيام الخوالي، ليس تماما، ولكن ثمة سؤال يطرق ذهني كلما أويت إلى هذه الشجرة: ما الذي رسخ في عقولنا القناعة بأننا ينبغي أن نفرغ مواعين تقاليدنا وقيمنا وعاداتنا الاجتماعية الجميلة، إذا ما أردنا أن نأخذ مما تتيحه وسائل تحديثها العصرية؟ (0)
مشاركة :