الأفضل لأعضاء البرلمانات العربية أن يدخلوا في ورشات للتدريب على فن الحوار، لعلهم يتعلمون كيفية التحاور من دون أن تتخلل نقاشاتهم تعابير نابية وخلافات بغيضة، لا تخدم الشعوب ولا تحل مشاكلها المتراكمة.العرب يمينة حمدي [نُشر في 2017/04/28، العدد: 10616، ص(21)] لم يجد جلال غديرة النائب في حزب نداء تونس حلا آخر لسقطات وفلتات ألسنة أعضاء برلمان بلاده، غير مطالبة التلفزيون بوضع علامة (12+) الخاصة بتحديد سن المشاهدين من الأطفال لجلسات البرلمان التي يمكن أن يتخللها السب والشتم، مبررا ذلك بخوفه على الأطفال مما قد يصدر من كلمات نابية. ولو أنصف النائب التونسي الطفولة لطالب بسن قوانين تفعل حق الطفل في الحياة الكريمة والتعليم والصحة والتربية الاجتماعية والسياسية، لأن الأطفال مستقبل الأمة، كما لا يجب عزلهم أو إقصاؤهم عن متابعة ما يدور في المنابر السياسية، التي من شأنها أن تتيح لهم الفرصة ليتعلموا فنون التحاور والتعبير عن الرأي واحترام الآخر، وتعوّدهم على روح المسؤولية، خاصة عندما تكون لغة المتحاورين راقية ويكون أسلوبهم في التحاور بناء وخاليا من النزعات العنصرية والمتحيزة. وعوض أن يدعو غديرة أعضاء البرلمان إلى فرض الرقابة الذاتية على ألسنتهم، حتى لا تصدر عنهم كلمات تلوث مسامع الأطفال وتثير الاستياء داخل أوساط الأسر والعائلات، طالب بمصادرة حق الأطفال في مشاهدة ما يجري في منبر برلمان بلادهم، وكأن المداولات والنقاشات في البرلمانات العربية، قد أصبحت عابرة للضوابط الاجتماعية وتتعارض مع القيم الأخلاقية، ولا تحلو إلا بالمشادات الكلامية والعراك بالأيدي والكراسي والاستعانة بعقال الرأس كما حدث في البرلمان الكويتي! فإذا كان الأمر كذلك، فخير نصيحة نقدمها لأعضاء البرلمانات العربية هي أن يشربوا من ذلك النهر المسمى “نهر النسيان” في الأساطير اليونانية، حتى يساعدهم على الهدوء ونسيان البذاءات وتصفية الحسابات الشخصية، أو الأفضل لهم أن يدخلوا في ورشات للتدريب على فن الحوار، لعلهم يتعلمون كيفية التحاور من دون أن تتخلل نقاشاتهم تعابير نابية وخلافات بغيضة، لا تخدم الشعوب ولا تحل مشاكلها المتراكمة. كنت أتمنى أن يكون أعضاء البرلمان قدوة صالحة للأجيال الحاضرة والقادمة، عندما يرتقون بفحوى ومحتوى حواراتهم ويطرحون قضايا الشعوب ومشاكلها، بشكل لا يخدش الحياء أو يتعدى على الأخلاق الحميدة للناس، ويحترمون آراء بعضهم ويتوصلون إلى اتفاقات رغم الاختلافات في الأفكار كما هو الشأن في البلدان المتقدمة، أو يصمتون إن كانوا عاجزين عن كبح ألسنتهم الطليقة. أعتقد أن التغيير الحقيقي في البلدان العربية لا يحتمل فقط تبادل المناصب أو الكراسي، وإنما تبادل الأفكار وقبول النقد والأخذ بآراء الأغلبية، وهو تغيير في الرؤية والأبجديات والسلوكيات والمفاهيم، وهذا التغيير يبدو أنه صعب التحقيق في أغلب بلداننا العربية. للأسف البعض من السياسيين لا يحبذون تغيير لغة خطابهم التي تعبر عن شخصياتهم بالتأكيد، وتكشف تاريخهم بقدر ما تعكس كل شيء آخر عنهم. ولكن الخوف كل الخوف من أن يكونوا مؤثرين سلبيين في تشكيل الهوية السياسية للطفل، التي لا تخضع فقط لتأثير الأسرة والمدرسة والأقران ووسائل الإعلام فحسب، بل ولجميع العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات. وقد أصبح الطفل العربي اليوم يعيش في بيئات تستهلك المواضيع السياسية بإفراط، وهذا من شأنه أن يلعب دورا كبيرا في بناء وتعزيز آرائه وانتمائه السياسي والعقائدي حتى من دون إدراك منه. فيا حبذا لو يكون السياسيون قدوة حسنة ليس فقط في تعليم الأطفال فنون التحاور، بل وفي تعليمهم أيضا كيف يكونون من الشخصيات الجديرة بالثقة. وهذا يعني الكثير في عصر أصبحت فيه الثقة بالسياسيين عملة نادرة. صحافية تونسية مقيمة في لندنيمينة حمدي
مشاركة :