تألق الخط العربي في الفن المعاصر

  • 8/2/2013
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

عندما تطرقنا في مواضيع سابقة إلى عدد من الاتجاهات الفنية وتاريخها وكيف ولدت وتبلورت وصولاً إلى تألقها وتحليل المتخصصين، والنقاد، والأدباء وعلماء الجمال، والمتذوقين لمضامينها والاقتناع بها بجانب عدة عوامل أخرى ساهمت في ظهور هذه الاتجاهات منها على سبيل المثال لا الحصر التطور في الاكتشافات العلمية، والصناعية، والاقتصادية وغيرها، نجد من كل هذا ما يستوقفنا قليلاً لنستنتج أن فنان العصر أصبح بلا شك يواكب كل ما هو حديث في شتى المجالات العلمية والثقافية وينهل منهما كل ما يضيف لفنه ويطوره. فلا شك أن هذا الفنان المعاصر يعيش مرحلة المنظور العلمي فبدلاً من لجوئه إلى المشهد المرئي للمنظورات يمكن أن يطبق مبادئ افتراضية أخرى معتبراً أن الموضوع الذي يتناوله ما هو إلا نقطة انطلاق ومحرض ديناميكي للتعديل والتبديل وبهذه النظرة التجريدية يؤكد فنان العصر على الطبيعة الذاتية لنشاطه ويلقي وراء ظهره كل ما يتعلق بالشخصية الظاهرية للموضوع. لم يكن الفنان العربي وأخص منه السعودي غائب عن هذا المشهد المعاصر فهو في صيرورة دائمة ودائبة مع كل ما هو جديد فاستطاع أن يوجد لنفسه تبرير فلسفي بمضامين مستوحاة من جذوره وحضارته ذات الأصول العربية المستمدة معانيها من روح العقيدة وليس من روح الحقيقة المادية المحسوسة مما أدى إلى إنجازات تعبيرية تجريدية بروح خلاقة لا تخلوا مضامينها الرمزية من انطباعات الفنان الذاتية، ولنعبر عن هذا المفهوم دعونا نستعرض بعض الأمثلة لأعمال فنانين الوطن الذين وظفوا هذا المضمون معتمدين على أساس الخط العربي وتطويعه بصورة جمالية إبداعية معاصرة: نجد في أعمال الفنان فهد خليف أنه وظف الخط بصورة تجريدية معاصرة ولم يتطرق إلى تفسير الصورة التجريدية ومفهومها الجمالي طبقاً للتفكير المنطقي بقدر أنه حرص على تركيز القيمة الجمالية التصويرية وتناسقها البصري، كما أنه لم يلجأ للجمال الواقعي ليجعل منه معياراً لفهم أو تفسير الصورة التجريدية بقدر استلهامه النابع من الحقيقة السرمدية الإلهية خارج حدود وعيه الحسي والعقلي مستخدماً مفردات خرجت بإبداع أشكالها الخاصة لتعبر عن إحساس بالإيقاع، والتناسب، والانسجام، خالقاً بذلك سحراً من الأشكال المجردة التي لا يمكن استقراؤها إلا بالابتعاد عن معايير الصورة التشبيهية. وهكذا نرى في أعمال الفنان فهد الربيق في توظيف الخط العربي بعض الاختلاف في الرؤية التجريدية فنلاحظ أنه اعتمد على خلق تشكيل نابع كلية من ذاته في استقلالية تامة عن المرجع الشكلي وبمعنى آخر اعتمد في تشكيله للحرف على المعالجات التلقائية التقنية باحثاً بذلك على الجمال التصويري الخالص بإحساس تجريدي يبحث عن الجانب الجمالي المجهول للجمال الطبيعي وكأنما يبرز في "الحرف" احتراماً للجمال الكوني بوصفه إعجازاً لإبداع "اللغة العربية" وسبيلاً لمعرفة الجمال الروحي المجرد بالنسبة لذاته كفنان مسلم محدثاً بذلك انعكاساً لأفكاره التلقائية في إبداع تجريداته، والتي أوجبت قواعد فنية وتقنيات مختلفة بنغمة لونية فرضت إيقاعاتها البصرية بهرمونية منفردة. لا يستطيع المتذوق والمتابع للحركة الفنية السعودية أن يمر مرور الكرام على أعمال الفنان "محمد الثقفي" فقد يستغرب القارئ في كيفية توظيف هذا الفنان للخط العربي في منحوتات تخضع إلى نفس القوانين الخفية التي تحكم الاستمتاع البصري بأسمى أنواعه وتوظيف الخط العربي بقيمة موضوعية جمالية تحدث الصدمة أو الدهشة بترك تأثيرها الجمالي على المتذوق. يستخدم الثقفي لدائن ومعاجين وخامات وقوالب لينتج بذلك عمل فني حديث ثلاثي الأبعاد يرى المشاهد له أنه أمام عمل هندسي يحتاج إلى خبراء معامل بحوث مختبرية لتحليل مكوناته فقد جمع هذا الفنان بين الطابع الهندسي البحت بمضامين روحية، وفكرية، وعملية، ليأتي بعمل إبداعي يحمل سمات حروف عربية هندسية تجريدية نحتية معاصرة. اتفق في التقنية مع الثقفي الفنان "فيصل الخديدي" بتوليف الخامات وإبرازها كمجسم متخذاً الخط العربي كعنصر جمالي في مجسماته فاكتسبت أشكالها حساً وقواماً مادياً يؤكد على عوامل الفرادة الإبداعية. فهذه المجسمات بمضامينها، وبطرق الآداء الفني المستخدم في تنفيذها، تعد تجديداً حقيقياً. بينما الرؤية قد تختلف في توظيف الخط عند الفنان ناصر الموسى، فالرؤية الجمالية في توظيف الخط قد تشبه مقطوعة موسيقية تستطيع أن تتذوق إيقاعها بصرياً بل إننا نجد عند التأمل في لوحات الموسى عنصرين بارزين أولهما الصورة أو الرؤية الجمالية وهي الموضوع الجمالي "الخط" وثانيهما تلك الانفعالات التي تكون الصور أو الرؤى ومحييها باستخدامه التقنية واللون فقد حرص الموسى بذلك على تركيز القيمة الجمالية التصويرية وتناسقها البصري. هذه الأمثلة التي سبق ذكرها على سبيل المثال لا الحصر تمثل قيمة فكرية وجمالية وروحية في العمل الفني التجريدي المعاصر التي تتوقف طبيعة عناصرها الخالصة باعتبارها قوى وطاقات لذاتها، فالخط العربي يمثل أحد الأركان الأساسية في التجريدات الإسلامية وقد عبر عن مفهوم الجمال والجلال الإلهي الوجداني، كما أظهرت هذه الإبداعات من قبل فنانين الوطن مبدأ(غياب الذاتية ) في أعمالهم الفنية، وذلك لإيمانهم بأن الله تعالى مصدر الأشياء والإمكانات ومكامن الإبداع، وبالتالى فهو الأول والآخر الذي يحرك أهدافهم الجمالية لذلك أقصى الفنان العربي السعودي التفاوت بين أجزاء عمله الفني ليأتي متجانساً وراسخاً ومتكاملاً ومتفقاً مع مبادئه الروحية ومطابق بنسق تفكيري إبداعي جوهر المعطيات الثقافية العربية الإسلامية فأثبت بذلك أنه يمتلك القدرة على توجيه أية ميول فنية إبداعية لتنحى منحاً تجريدياً معاصراً خالصاً.

مشاركة :