يقول الدكتور سعد الصويان في دراسة له بعنوان (مساعد الرشيدي.. شاعر المرحلة): مساعد الرشيدي شاعر معنى وصورة، قبل أن يكون شاعر موضوع، ثم يشرح عبارته قائلاً: أعني أنه مهما كان موضوع القصيدة (غزل، وطني، رثاء، إلخ) فإن بين كل القصائد خيطاً فنياً مشتركاً يربطها، هذا الخيط من القوة والوضوح لدرجة أن أثره على القارئ قد يطمس ويطغى على ما بين القصائد من اختلاف موضوعي) وهو «الالتزام الواضح بالعملية الإبداعية التي تبتعد بالقصيدة عن كونها مجرد ممارسة في نظم الشعر إلى تجربة إبداعية حقيقية ومميزة.كذلك من الصور الشعرية البديعة التي تميزت بها مخيلة الشاعر مساعد -رحمه الله-، وهي كثيرة في قصائده، قوله في البيت الرابع من قصيدة (على كثر الكلام):ورحت اتلى شتاتي واترجى صوتي المبحوحتموج بي الدروب ومسندٍ كفي على ظلاليسطوع الصورة يتركز على أن الشتات الذي يفيد التفرق يتخذه الشاعر دليلاً عليه، على الشاعر المتمثل في ضمير المتكلم هنا، إنه يدله إليه ويدله عليه في الآن نفسه، يشهد له ويشهد عليه، فهو بقدر ما يقتفي شتاته يتشتت بدوره ويتبدد في البحث، وهو في أثناء ذلك يقع في سطوة ظله باستناده علي ذلك الظل بكفه، فالمشهد في الحالين يماثل ما يحصل عليه الإنسان من محاولة القبض على الريح، أي لا شيء. فأي أمل يأتي به اقتفاء الشتات، وهذا غير ممكن، إنما هو انعكاس لاستحالة أي أمل يجود به استناد اليد على الظل.وتعلق نفس القصيدة صورة شعرية أخرى في البيت الثامن:ولو خان الشفق مرة ومرة طيره المذبوحبقى وكره علىجباه النجوم المرقبة خاليالشفق في هذه الصورة يتعدى تفسير نفسه من ظاهرة وقتية عادية تدل على نهاية النهار إلى حالة من حالات إخفاء الوجهة، أو تعمية الطريق بإحلال الغسق محل الضياء، وبذل الإبهام مكان الوضوح، ولذلك يوحي إدراج عنصر «الطير المذبوح» في الصورة بفقدان الأمل، وما خلو وكره منه إلا دليل على فقدانه وغيابه. والصور الشعرية في قصائد مساعد كثيرة بل هي من أكثر ما اشتغل عليه في قصائده.الفنان وأشكال تعبيره:وهذا يقودنا إلى تملي الفنان الناضج داخل مساعد الرشيدي، الفنان الذي لم يتجلَ في نصوصه وحسب وإنما أيضاً تراءى لنا في شخصه عبر الحوارات الإعلامية التي أجريت معه في الإعلام المرئي، ومن اقترب منه في هذه الحوارات المرئية، وأيضاً عندما يلقي قصائده من خلال الشاشة أو في أمسية شعرية، يلحظ ما يسميه بول زمتور «اقتران الإيماءة بالمنطوق»:(ثمة نموذج إيمائي يشكل جزءاً من كفاءة المؤدي –«أي الشاعر في حالة الرشيدي» - وينعكس في الأداء) فهو كما يقول نصوصه يطلق جزءاً من تعبيره الجسدي لأدائها، ويمكن القول إن مساعد الرشيدي لديه ثلاثة أشكال من التعبير ترافقه كشاعر وكنجم. الشكل التعبيري المتمثل في الحوارات الإعلامية، والشكل التعبيري الذي تؤديه نصوصه، والشكل التعبيري الذي تؤديه يداه وتنغمر به ملامح وجهه عند انهماكه في إلقاء قصيدته. وكل الأشكال الثلاثة يكمل بعضها البعض الآخر في تقديمه كصوت وصورة وحركة، وكذلك كتجربة شعرية.مساعد الرشيدي ومعجمه الشعري وارتباطه بالألفاظ المحلية الدارجة..تميز الشاعر مساعد الرشيدي بالتصاقه بالمعجم المحلي/ البدوي وتوظيف كثير من مفرداته في نصوصه، وهو توظيف جمالي كما هو توظيف تعبيري يلائم فكرته عن أهمية استخدام الكلمة في مكانها داخل النص، في مكانها بدقة لافتة، ويمنحنا ذلك تصوراً عن نفوره من العشوائية في التعبير. وإذا كانت المحلية في الأدب الفصيح ذات شأن في تأكيد انتماء النص لهويته الثقافية ولشخصيته المكانية، وإذا كان ذلك يمنح النص مصداقية الانتماء سواء على صعيد التقييم المحلي أم على صعيد تلقي النص من خارج بيئته ومحليته، فإن الأمر في الشعر العامي هو ذات الأمر في الفصيح دون فرق يذكر. المحلية في الشعر العامي ذات أهمية كبيرة في التعرف إلى سَحنة النص، وإلى تمييز ملامحه، فالنص الذي يقال أو يكتب في شمال البلاد يعرف من لهجته المتميزة، وكذلك تعرف بقية النصوص التي تقال أو تكتب في مناطق أخرى من المملكة، أو من الخليج، أو من خارج الجغرافيا الخليجية. وأسوق هنا، على عجالة، قائمة من المفردات والألفاظ البدوية التي وطنها مساعد في نصوصه دون أن يظهر عليه ادعاء ما، فقد كان يستخدمها في حياته اليومية وكان يعيش التخاطب بها مع مجتمعه ومع أصدقائه من ذوي الجذور البدوية خاصة، وهي ألفاظ مثل:«اتدرق»:ما غير اتدرق باسمر الليل لا لجنهجوس تخطرت هيبة الجرح واختالت«حلال الذهاب»:حلال الذهاب اليا استشاطت لبسها جنعساي اتجود في نحرها ليا مالت«مس البطان»:وانا يوم امس بطانها ما عليه منيدين الهوان ان حطت اللوم وان شالت« زم النفس»:ابا ازم نفسي عن طمان هواه مصنواعدي لجفني وارقب العين وش قالت«جهم»جهمت من العيون ولا ضواك الليل غير هناكورا هدف الضلوع تسامر القمرا بخفاقيهذا المعجم المحلي، يعكس في تصوري رأي مساعد الرشيدي حول التجديد في الشعر العامي. وكلمة التجديد عندما تأتي وحدها ثم توجه مفهومها ومعناها إلى الشعر العامي يختلط على البعض فهمها فيظن أن التجديد في الشعر العامي هو بتر العلاقة بالموروث، والانتهال عوضاً عنه من الفكر الحداثي المؤيد لفكرة البتر والقطع النهائي. أما التجديد عند مساعد الرشيدي، فإنه، بحسب ما فاضت به نصوصه من تعايش حميم بين قديم وحديث، يبحث في علاقة الكلمة بأقرب ما تعنيه في الإيحاء الفني والتأثير المعنوي إلى خطته الجمالية والموضوعية في قصيدته، كيما تفضي النتيجة في النهاية إلى تشكيل مساكب الريح/اللغة ونداء الإبرة/المعنى في أثره الشعري كله.
مشاركة :