** سمع صاحبكم منه عن مشروعه فأكبره دون أن يراه، ورآه فازداد إكبارًا، ولو كان بحثًا مألوفًا فلن نعجب إذ دأبُ صاحبه التميز، أما أن يكون دراسةً متعددةً ذات وجوهٍ جغرافية – تأريخيةٍ – أثريةٍ – أدبيةٍ استدعت السفر والسهر والإحباط والإصرار والاستعانة بالخرائط والأدلَّاء والمسؤولين والأصدقاء واستغرق أكثر من ثمانية أعوام فلا جدل أننا موعودون بقراءةٍ مختلفة نتتبع فيها « طريق هروب أبي الطيب من الفسطاط إلى الكوفة » بدقةٍ متناهية وتفاصيل مذهلة وكتاب ضخمٍ كضخامة المبحوث ، عميقٍ كعمق الباحث ، مضيءٍ بالحكاية والصورة والرسم والمعلومة والتخمين والاستنتاج. ** لكلٍ ممن ابتلاهم الله بمشروعات التأليف كتابٌ يراه الأهم، وما الظن أنّ كتاب الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المانع الموسوم ( على خطى المتنبي ) إلا كتابُ الكتب له ولمتابعيه ولكثيرين حوله ممن أمضوا حياتهم العلمية في قاعات الدرس الأدبي، والمتيقن أن أي جائزة كبرى سترشحه هيئاتُها كي يكون كتاب العام لها وكتاب العُمر له. ** للكتاب في وجدان صاحبكم ذاكرةٌ ذاتُ معانٍ يسكنها الوفاء؛ فقد كنا « أبو إياد وصاحبكم وغيرُنا » نلتقي بصورة منتظمة لا يتجاوز الفاصل بينها أسبوعًا خلال مرض فقيدنا الحبيب الدكتور عبدالله العثيمين* على مدى عامين أو أكثر، وفي مجلسه جاءت فواتحُ من الرحلة ونتفٌ عن المرتحل؛ مغامراته ومعاناته وحفظ الله له من حوادث أليمةٍ أدخلته المستشفى وألزمته المنزل وكادت تتسبب بما هو أعظم لولا لطف العليّ القدير. ** تنقّل المانع بين الفسطاط وسيناء والجوف وتبوك وبادية الأردن وفيافي الشام وحدود العراق وما بينها من صحارى وأودية وجبال ومدن وقرى وركوب طائرات وسيارات وحيوانات؛ لا بترتيب منتظم بل بتطوافٍ أولُه وسطُه وآخرُه مبتدأُه؛ نهايتُه استهلال ومتنه استدلال ومقدمته خاتمة، وعمره ذو الثماني سنوات لخص رحلةً ثلاثة أشهر قضاها المتنبي منذ مغادرته مصر متخفيًا حتى بلوغه مأمنه في الكوفة، وتوثيقه الطريق بقصيدته: ألا كلُّ ماشيةِ الخيزلى فدى كلِّ ماشية الهيدبى ** الكتاب ذو القطع الكبير والصفحات الثلاث مئة لا يغني عن اقتنائه عرض ولا يستوعب امتلاءَه عارض؛ فقد جمع فأوعى ووصل الفائدة بالمتعة والمكان بالزمان والميدان بالإنسان والإنجاز بالعرفان؛ فشكرًا لأستاذنا الكبير الدكتور عبدالعزيز المانع، والتمني ألا يُعانيَ الراغبون في اقتنائه من مشكلات أماكن وجوده، ولعل نشره عبر كرسي المانع في جامعة الملك سعود مرقمًا بالإصدار « السابع والثلاثين » يعينُ على تلمسه. وإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسامُ ** السفينة بحَّار. ... ... ... * تصادف هذه الأيام ذكرى مرور عام على وفاته غفر الله له إمضاء/ إبراهيم بن عبدالرحمن التركي
مشاركة :