إعداد: بنيمين زرزورفي الوقت الذي كشف تقليص برنامج التحفيز الكمي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عام 2013 عن هشاشة الأسواق الناشئة، إلا أنها حالياً تبدي مرونة لافتة في وجه الاضطرابات السياسية العالمية.حيث أطلقت مجموعة من البنوك وبيوت الاستثمار ومن بينها غولدمان ساكس ويو بي إس تحذيرات حيال التفاؤل المفرط لأن المستثمرين كدسوا أموالهم في أسهم وسندات وعملات الاقتصادات الناشئة، بحجة أن المتداولين يتجاهلون مخاطر الاضطرابات السياسية والتوجهات الحمائية وتقلص أسعار السلع الاستراتيجية التي تشكل محور الصادرات الذي تعتمد عليه تلك الدول.لكن ورغم احتدام الجدل حول السلبيات والإيجابيات لا تزال القافلة تسير، حيث تسجل الأسهم والأصول في الاقتصادات الناشئة أفضل مستويات الأداء منذ بداية العام، وتشهد سنداتها سواء المقومة بالدولار أو باليورو مزيداً من الانتعاش، لاسيما بعد أن تحسنت الشهية للأصول ذات العائد المرتفع، ولم تتراجع رغم انتهاء مهرجان التمويل الرخيص، وتصاعد موجة الحركات الشعوبية، وهناك أسباب وجيهة وراء ما يجري.وفيما يلي نستعرض بواعث القلق حول الجدل الدائر، ومحاولة تبديده: 1- المخاطر السياسية تثير أزمة الاحتجاجات ضد شح المواد الغذائية في فنزويلا، والأوتوقراطية التي تتهم بها السلطات في تركيا ونزق زعيم كوريا الشمالية، قلقاً يضاف إلى حملة دونالد ترامب الحمائية وما تحمله من نذر على التجارة العالمية في ظل الطلاق التعسفي المنتظر بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.والحقيقة أن أفضل مكاسب المستثمرين هذا العام نتجت عن الاستثمار في مناطق الاضطراب السياسي. فقد بلغ مؤشر كوسبي في كوريا الجنوبية أعلى مستوى له منذ ست سنوات بعد إقصاء رئيسية الجمهورية وتسجل الأسهم التركية أفضل مستويات أدائها مقارنة مع الأسهم الأوروبية منذ التصويت على التعديلات الدستورية. وبالمقابل يتراجع أداء الأصول في الدول المتقدمة خاصة الولايات المتحدة التي تعاني ضبابية سياسة ترامب الاقتصادية. 2- التقييمات مبالغ فيها أصبحت أسعار أصول الأسواق الناشئة مرتفعة جداً وهذا قد يدفع المستثمرين للبيع، الحقيقة أن الخصم في تقييمات أسهم الأسواق الناشئة قياساً على الأسواق المتقدمة لم يتجاوز 10 نقاط مئوية فوق متوسط معدله خلال 10 سنوات، ما يعنى أن الأسهم باتت أرخص طبقاً لبعض المقاييس خاصة مع تصاعد أسواق الأسهم بداية من يناير/ كانون الثاني 2016، حيث فاقت توقعات الأرباح نسبة المكاسب في تلك الأسواق.أما طلب المستثمرين على السندات الحكومية في الدول المتقدمة بدلاً من سندات الخزانة الأمريكية، فقد تراجع 200 نقطة مئوية خلال الأشهر الأربعة عشر الماضية ولا يزال أعلى من مستويات عام 2010 بنحو 70 نقطة. 3- تراجع أسعار السلع الرئيسية نذير شؤم الباعث على القلق أن الغالبية العظمى من الاقتصادات الناشئة تعتمد على تصدير السلع الرئيسية، ونظراً لتراجع أسعار تلك السلع خلال العام الماضي، وبلوغ سعر برميل النفط أدنى مستوياته فلا بد أن يؤثر ذلك في نمو تلك الاقتصادات.والحقيقة أن أصول الاقتصادات الناشئة تفك الارتباط تدريجياً بالسلع الرئيسية نظراً لتركيز المتداولين على المكاسب الأكبر التي تنتج عن اقتراض المستثمرين في دول تنخفض فيها أسعار الفائدة وشراء الأصول ذات العائد الأعلى في دول أخرى، وقد منحت أسعار الفائدة المرتفعة في كل من روسيا والبرازيل فرصاً جذابة للمستثمرين سمحت لعملات مصدري النفط تعويض خسائر الهبوط في أسعاره. يضاف إلى ذلك أن الدول المتقدمة ليست في عجلة لرفع أسعار الفائدة قريباً. 4-تدفق الاستثمارات على المتقدمة لن يدوم الباعث على القلق هنا هو أن رفع أسعار الفائدة الأمريكية سيحفز الاستثمارات الأجنبية للهروب من الأسواق الناشئة.والحقيقة أن صناديق الاستثمار في الأسواق الناشئة جذبت تدفقات لافتة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام مستفيدة من تأجيل خطة تحفيز ترامب وتصريح أعضاء الاحتياطي الفيدرالي مراراً عن أنه سوف يرفع أسعار الفائدة تدريجياً هذا العام. وهذا يعني أن المستثمرين يدركون سياسة الاقراض الأمريكية تماماً. يضاف إلى ذلك أن أسعار الفائدة في الدول المتقدمة قد تبلغ مستويات تحث المستثمرين على إعادة النظر في تهافتهم على الأسواق الناشئة، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن. 5- سياسة ترامب تضر بالأسواق الناشئة مبعث القلق أن ما أطلق عليه اسم «طفرة ترامب» في تداولات الأسهم التي نتجت عن الرهان على ارتفاع معدلات التضخم بوتيرة أسرع وعلى انتعاش أرباح الشركات، قلصت من جاذبية الأسواق الناشئة مقارنة مع الأصول الأمريكية.والحقيقة أن تفاؤل المستثمرين يتآكل حول خطط ترامب مع تكرار التأجيل وربما الفشل في تمرير القوانين. ونتيجة لذلك سحب المضاربون مليار دولار من سندات الصناديق المدرجة التي تركز على الاقتصادات المتقدمة.ورغم إعلان ترامب خططته للإصلاحلات الضريبية، التي قلصت الضرائب على الشركات بنسبة 15% على الشركات، وهو ما يعزز أرباح الشركات ويشكل عامل جذب للاستثمارات الأجنبية، إلا أن كثيراً من الإعلانات المماثلة لم تسفر سوى عن تعميق الشعور بالإحباط.
مشاركة :