ما يُقال عن قدرة الأنظمة الشمولية على التحشيد الجماهيري لا يمثل إلا جزءا من الحقيقة. فليس صحيحا أن تكون كل تلك الحشود مرغمة وهي تتدافع بملايينها من أجل الاعلاء من شأن المستبد القادم بمشروع عبوديتها كما يٌخيل للبعض. علينا هنا أن نتذكر مشهد ملايين الإيرانيين التي زحفت إلى مطار طهران لاستقبال امامها القادم من باريس. هل كان الخميني وهو الذي عُرف بتشدده الديني رجل حرية وكرامة؟ ألا يؤكد فوز حزبي متخلف مثل نوري المالكي مرتين بمنصب رئيس الوزراء في العراق أن هناك آثما ارتكبه العراقيون في حق أنفسهم؟ ربما يكمن أسوأ ما في تلك اللعبة أن يُقال إن تلك الانتخابات كانت مزورة. وهي محاولة يُراد من خلالها تبرئة ساحة الشعب من تلك الجريمة. ولكن لو كان تزوير الإرادة الشعبية قد وقع بذلك الشكل المفضوح لمَ لم يبادر الشعب إلى الاحتجاج، نازعا الشرعية عن المالكي وسواه من سياسي العراق الفاسدين الذين دبروا مكيدة الحاق الدين بالسياسة؟ تفضح حالة المالكي وهو رجل دولة رث حقيقة كانت الشعوب قد أخفتها عن نفسها. فكل ما تم تمريره على أساس أنه نوع من الأحداث القدرية ما كان له أن يستمر ويكتسب نوعا من الشرعية التاريخية لولا ما فعلته الشعوب وقد تواطأت مع لحظات ضعفها من أجل أن تتخلى عن مسؤوليتها في صنع مصيرها. لقد استسلم المصريون لريفي كانت غاية أحلامه أن يكون ممثلا هو أنور السادات. أما مؤلف القصص العبقري معمر القذافي فقد سمح له الشعب الليبي بتدمير مملكتهم ليقيم على انقاضها جماهيريته التي لم تكن سوى لعبة ورقية يمكن أن تُطوى في أية لحظة مثل حية ودرج. دفاعا عن أنفسهم سيقول السوريون إن حافظ الأسد هو آخر انقلابييهم كما سيزعم السودانيون أن البشير من صناعة حسن الترابي غير أن العراقيين وقد أحبوا السيد النائب وهو صدام حسين بنسبة مئة في المئة لا يمكنهم أن يلوموا سوى أنفسهم وقد أصبح الرجل رئيسا مطلق الصلاحيات. كان صدام حسين خيارا شعبيا بامتياز. هل علينا أن نذكر هنا أن الرجل الذي صعد إلى السلطة كان يوما ما محط أنظار الشيوعيين في حين نظر إليه البعثيون الذي ينتمي إليهم بريبة؟ هناك مَن يرغب في تزوير التاريخ بطريقة أخاذة، مستغلا حرمة المس بالشعوب. تلك الشعوب البريئة كما لو أنها مجموعة من الدمى التي يلعب بها الأطفال ويتخيلون حياتهم من خلالها. لقد تعلمت أوروبا درسا قاسيا من تاريخها فصارت تسخر من الأوقات التي كانت فيه الشعوب خاضعة لوهم البطل المنقذ وهو ما بدا جليا يوم انتفض طلاب باريس ليسقطوا ديغول عام 1968 ويجبرونه على الذهاب إلى بيته وهو رمز تحرير فرنسا من الاحتلال النازي. ما يجري في العالم العربي اليوم يؤكد أن شعوبنا لم تتعلم شيئا مما جرى لها. وما حنينها إلى عصور الاستبداد التي يُفترض أنها انقضت إلا واحد من أهم مظاهر عجزها عن العثور على بدائل تخرج من خلالها إلى الحياة. فاروق يوسف
مشاركة :