القاهرة ـ صدر للشاعرة والباحثة اللبنانية ليندا نصّار عن دار العين القاهرية ديوان شعري جديد وسمته بـ "لأني في عزلة"، وهو الديوان الذي توّج بجائزة جنان خليل للشعراء الشباب في دورتها السادسة بعد مجموعة من الأعمال الشعرية التي راكمتها في مسيرتها "اعترافات مجنونة"، و"إيقاعات متمردة"، و"طيف بلا ظل". ويأتي هذا الديوان الذي تزين غلافه لوحة الفنانة التشكيلية جنان خليل تترجم تمزقا في الكون عبر اشتغال رمزي على دلالة النور والظلام والانفجارات التي تزيد من تفتيت ما تبقى على سطح هذه الأرض. ويضم العمل الشعري الجديد الذي يقع في 111 صفحة من القطع المتوسط ثلاثة وعشرين قصيدة: "هل أغلق ذاكرة الباب عليّ؟"، و"أسفل الشعر"، و"هل أكون أنا"، و"لأني في عزلة"، و"حارسة الظل"، و"العمر غيمة تتورد منها الأقبية"، و"ولدت بيننا كيمياء"، و"حبال الذاكرة"، و"لكي تكون إلها" و"لا وقت للحزن"، و"في الملهى"، و"خاتمة مربعة"، و"الحادية عشرة ليلا"، و"كما يُتْمُ غصن"، و"مرايا"، ناصية في بيروت"، و"أهي بيروت تلك"، و"وهم الخلود"، و"أخاف من الأشجار"، و"وشوشة"، و"ريشة الموسيقى"، و"أيلول"، و"قيثارة". لا تتوانى الشاعرة في فتق شعرية تنصهر فيها موسيقى داخلية تتلون بصور لا ترتبط بمقولات الانزياح المعهودة، بل تجعل من الموسيقى والصورة والصوت أصابع قيثارة تعزف تخييلا شعريا يمتح من جماليات المكان التي تتسرب منها الذات المنعزلة كي تعلن للعالم عن نقصها الذي سرعان ما يتحول إلى نشيد صارخ بتناقضات اليومي، فالقيثارة والأصابع والخريف وأرصفة بيروت تبلورها رؤيا نوتات صغيرة بحرية قبل العزلة بوصفها إمكانا جماليا لاختبار الكينونة. لهذا تقيم الذات في الما بين بين، وتكسر مراياها المهشمة في الذاكرة، وتفتحها في الآن نفسه على وصايا الجدة كما لو أنها ذاكرة أخرى لا تشيخ أبدا تنفتح على ما هو ممكن هذا العالم الموحش في ظلمته. كما تشكل الشاعرة عبر تعددية صوتية تترجم بها أوعاء داخل كيمياء الوجود الذي يصير ظلا في فتحة صغيرة أسفل رأس عسى أن لا يرى نرسيس وجهه في الضوء هذه المرة، لتصير الرؤيا مرتبطة بالبحث عن مجهول الذات، وهي تتقنع بما لا يرى، كما لو أنها زرقاء يمامة أخرى تريد أن تنظر واقعا بديلا لواقع الحرب والدمار والشتات. إنها العزلة التي لا يمكنها أن تقف عند حدود الذات أمام بوابات الحزن، بل عزلة تتلون بألوان عديدة تقرأ كفها، من دون الحاجة إلى وسيط أو إلى عرافات كي تحرق الزوايا الأربع للعالم الشعري، وتفجره من الداخل، وتعيد إليه توزانه عبر موسيقى كورالية تصل ذورتها إلى هتك الأنساق الثقافية، فاضحة تمثلات التاريخ عن نفسه، وفي الوقت نفسه، تقول إن العالم يبارك الخطيئة تجاه التاريخ. إنها شجرة العري أو الشجرة الأولى للسقوط الأول. إن ديوان" لأني في عزلة" يترجم بحساسية شعرية موقفا من الذات والعالم والوجود، وهو يجعله يحق موضوعا لمجاهل الكينونة. نقرأ من الديوان: الموسيقى تشعل حرائقها في الجسد تهتزّ القيثارة في يدي المرأة ألف أسطورة تطلّ بمعزوفاتها من أنين شجرة مرّ بها حطّاب ذات نهار، لم تنقذها العصافير التي كانت تحرسها.. أعيد حكايتها بريشة في أصابعي وحلم تدلّى من معصم كأس.
مشاركة :