شباب عراقيون يطرقون أبواب الفن بحثا عن متنفس للحياة بقلم: يمينة حمدي

  • 5/2/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

شباب عراقيون يطرقون أبواب الفن بحثا عن متنفس للحياةموجة متنامية من الشباب العراقي يبحثون عن أقصر طريق يوصلهم إلى عالم الشهرة، بعد أن انسدت عليهم الأفق في بلادهم، وأصبحوا يعيشون في دوامة من العنف.العرب يمينة حمدي [نُشر في 2017/05/02، العدد: 10620، ص(21)]أحلام وآمال معلقة على مسابقات الأصوات تصاعدت ظاهرة اندفاع شباب عراقيين صوب الغناء والموسيقى في ردة فعل مثيرة حيال الواقع الاجتماعي والديني والسياسي الملتبس في بلادهم. ولوحظ إقدام المئات من الشباب العراقيين على أداء الأغاني وتصويرها، وتسجيل ألبومات غنائية وبثها على مواقع الإنترنت، في محاولة عزاها الباحثون الاجتماعيون إلى البحث عن الذات في وضع اجتماعي وسياسي مشتت ومرتبك. وتفتقر أغلب الأغاني التي يسجلها شباب تتراوح أعمارهم بين 16 إلى 30 عاما، إلى مفهوم الغناء التعبيري العراقي، فضلا عن افتقارها إلى لحن متماسك موسيقيا. وتوجد على قناة يوتيوب المئات من الأغاني لأصوات شابة وغير محترفة للغناء، سجلت وصورت في إستوديوهات ومكاتب تسجيل انتشرت في العراق.جليل خزعل: مسابقات الأصوات لا تشكل خطرا على الشباب قياسا بخطر الأفكار الظلامية وقال أحد المطربين الشباب ممن تحدثت معهم “العرب” عبر فيسبوك، إن سهولة تسجيل الأغاني باتت متاحة لأي شاب يقدم نفسه كمطرب، مؤكدا أن بعض مكاتب التسجيل توفر الكلمات والألحان لأي مطرب شاب مقابل مبلغ يتراوح ما بين 100 إلى 200 دولار. ويعزو أستاذ في جامعة بغداد تلك الظاهرة إلى انسداد الآفاق أمام الشباب بسبب التناقضات المتصاعدة داخل بنية المجتمع العراقي. وقال الأستاذ الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، في تصريح لـ”العرب” إن “جيل ما بعد عام 2000 وبعد احتلال العراق افتقر إلى المواصفات الوطنية المتوارثة عند الأجيال السابقة، لذلك وجد هذا الجيل نفسه في موجة متلاطمة من التناقضات السائدة”. وعزا شاعر عراقي توجه الشباب إلى الغناء كردة فعل حيال المراثي الحسينية والهوسات الشعبية التي سادت في البلاد منذ عام 2003. وامتهن المئات من الشباب العراقيين قراءة المراثي الحسينية والأناشيد الدينية في مناسبات يحييها الشيعة في العراق بشكل متواصل على مدار العام. وتعرض وسائل الإعلام الحكومية والخاصة فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعي تلك المراثي التي يتسم بعضها بالاندفاع الطائفي والمس الديني والتاريخي. ولقراء المراثي جمهور من المعجبين يعادل أحيانا جمهور المطربين المشهورين في العراق.عامر غريب: أتمنى أن يصلح الفن ما أفسدته سياسات حكام العراق وعرف العراق على مدار تاريخه المعاصر أجيالا من الفنانين والملحنين أرخوا لذائقة عالية في الفن والموسيقى، إلا أنه بعد عام 1991 صعدت موجة هابطة من الأغاني الشبابية، وتصاعدت بعد احتلال العراق عام 2003 مضافة لها مجموعات المراثي والأناشيد الدينية والطائفية. ويرى الشاعر جليل خزعل في هذه الموجة من الشباب المتجهين للغناء أنهم الورثة الشرعيون للإرث الغنائي والشعري العراقي. وقال خزعل الملقب بشاعر الطفولة في تصريح لـ”العرب” “لم يسبق العراقيين أحد في ابتكار الغناء والشعر والأساطير وملاحم الخلود، والشباب العراقي هم الورثة الشرعيون لهذا الإرث الجمالي، فلا غرابة إذا اتجهوا للغناء أو الشعر أو الفنون الأخرى”. وأضاف “لكن البعض من الشباب انساقوا وراء برامج مسابقات الأصوات التي هي في الحقيقة شراك تنصبها بعض الفضائيات للحصول على أموال طائلة جراء الاتصالات التي يشارك فيها المشاهدون المغفلون والمتحمّسون لمعارفهم أو نجومهم”، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الشباب العراقي وحدهم، وإنما تشمل شباب العرب عامة. ويعتقد خزعل أن من أبرز أسباب التهافت على برامج مسابقات الأصوات، رغبة الشباب في الشهرة السريعة وجني الأموال وإغراءات السفر، والعديد من الأمور الشخصية الأخرى التي يتطلعون إليها، إلا أن شاعر الطفولة لا يعتبر هذه الظاهرة سلبية، لأنها من وجهة نظره لا تشكل خطرا على الشباب قياسا بخطر التأثر بالأفكار المنحرفة التي تروّج لها الجماعات الظلامية والتكفيرية والتي أغرت الكثير من الشباب العربي.سجاد الجوراني: كلما رأيت بلدي ينزف دماء ينزف معه قلمي شعرا محملا بأوجاعي ويمثل الغناء بالنسبة إلى المطرب عامر غريب متنفسا يعبر عن أفكاره ورؤيته للحياة، ويحاول من خلاله أن ينحت مستقبلا أفضل مما آلت إليه أوضاع الكثير من العراقيين الذين يعيشون ظروفا معيشية صعبة، ولذلك اختار الهجرة إلى العاصمة اللبنانية بيروت من أجل أن يحقق حلمه الفني الذي راوده ولم يجد سبيلا لتحقيقه في بلاده التي ضاقت فيها المنافذ على الفن والفنانين. وقال غريب في حديثه لـ”العرب” إن طاقته الصوتية وتأثره بعمالقة الطرب العربي دفعاه إلى اقتحام هذا المجال سنة 1990، كما آثر تعلّم العزف على آلة العود، حتى يستطيع شق طريقه الفني بثبات. وأشار إلى أن لديه اليوم أكثر من 20 أغنية، منها الأغاني العاطفية والوطنية والرياضية، ولكن أغلبها مستوحى من واقع بلاده الذي أثّر فيه ولا يستطيع أن يعيش في معزل عنه رغم بعد المسافة بين بيروت وبغداد، وطول فترة هجرته وبعده عن أهله فترة تجاوزت 15 عاما. وتمنى غريب في خاتمة حديثه لـ”العرب” أن يكون الفن سلاحا ضد التطرف والطائفية، ويصلح ما أفسدته سياسات الحكام الذين تعاقبوا على حكم بلاده. أما سجاد الجوراني فعلى الرغم من أنه لم يتجاوز الثمانية عشر عاما، فإنه أكد في تصريحه لـ”العرب” أنه وجد في الشعر الشعبي ملاذا للتعبير عن مكنون نفسه وألمه المتصاعد بسبب الواقع المزري لبلاده. وأوضح الجوراني قائلا “اتجهت نحو الشعر لأنني وجدته الإنسان الحقيقي الذي يفهم ما في داخلي من ألم، فكلما رأيت بلدي الجريح ينزف دماء ينزف معه قلمي شعرا محملا بأوجاعي”. وأشار إلى أنه اقتحم عالم الشعر في عام 2012، واستطاع أن يمثل العراق في العديد من المهرجانات والمناسبات الشعرية المحلية والعربية. فيما مازال الشاب أحمد حمدي عبداللطيف البالغ من العمر 22 عاما يبحث عن منفذ يوصله إلى عالم النجومية، معتقدا أن الغناء سيخلصه من صفة “نازح” التي ألصقت به بعد أن دفع العنف المسيطر على مدن العراق الغربية أسرته إلى ترك مدينتها والانتقال للعيش في كردستان العراق. وقال عبداللطيف في تصريح لـ”العرب” إنه ينحدر من وسط عائلي محافظ وأن الغناء يعتبر من الأمور غير المحبذة بالنسبة إلى أسرته، ولكن موهبته وتشجيع أخيه الأكبر جعلاه يصر على خوض التجربة. وأمثال عبداللطيف كثيرون في العراق، ممن يتطلعون لأضواء الشهرة والنجومية، وكلهم أمل في أن يكون الفن وسيلتهم لعلاج مختلف أزماتهم، وتغيير الصورة الدامية للعراق الحالي.

مشاركة :