تجاوزت حد الطموح الذي فرضته الظروف على بنات جيلها، واللاتي أُجبرن على الوقوف عند منطقة بعينها دون استكشاف الجديد، ومن هنا أصرت على تحقيق غايتها مهما كانت نظرة الآخرين لها إلى أن استطاعت أن تحفر اسمها في المجال الطبي من أوسع أبوابه، ثم لم تستأثر انجازها لنفسها مستغلة إياه في خدمة مجتمعها. على هذه الشاكلة استطاعت السيدة هيلانة سيداروس من سطر اسمها ضمن قائمة الرواد في مصر، وهي من استطاعت أن تقتحم المجال الطبي كأول سيدة في عشرينيات القرن الماضي، في وقت كان الحد الأدنى فيه للفتيات هو التدريس. وحسب المذكور بموقع «وطني» وُلدت «هيلانة» في مدينة طنطا بمحافظة الغربية عام 1904، والتحقت بكلية البنات القبطية وهي في الثامنة من عمرها، وذلك بسبب ضعف بنيتها التي حالت دون التحاقها بالمدارس العادية. بعدها أرسلها والدها إلى القسم الداخلي بمدرسة السنية للبنات في القاهرة ثم التحقت بكلية إعداد المعلمات، وخلال دراستها في السنة الثانية رشحها المسؤولون للسفر في بعثة إلى بريطانيا لدراسة الرياضيات، وهو ما وافقت عليه أسرتها على الفور. وما أن توجهت «هيلانة» إلى هناك فوجئت بأن الشهادة التي ستحصل عليها تعادل نظيرتها الثانوية في مصر، وعلى أساسه أرسلت برقية إلى المستشار الثقافي في السفارة المصرية هناك وطالبته بالعودة إلى القاهرة، وبعد فترة اطلع إلى الرسالة وطلب مقابلتها. وبالفعل قابلت «هيلانة» المستشار الثقافي وقدم لها عرضًا لدراسة الطب، وهو الحلم الذي سعت إليه منذ الصغر، وذلك بالتزامن مع تأسيس جمعية «كيتشنر» الطبية في مصر، والتي هدفت إلى إقامة مستشفى للأمراض النسائية بالقاهرة، لتلتحق بالفريق الذي تم تدريبه بعد أن اجتازت الامتحان النهائي للمرحلة الثانوية في بريطانيا. بعدها انضمت لمدرسة لندن الطبية للنساء عام 1922، ما أثار دهشة الأطباء الإنجليز وقتها من كونها سيدة أقدمت على دراسة ذلك المجال، رافضةً نصائحهم بتغيير وجهتها إلى رياض الأطفال أو التدريس، حتى أصبحت طبيبة مؤهلة لممارسة المهنة في 1929، وكان عمرها 25 عامًا. وبمرور عام واحد عادت «هيلانة» إلى مصر حاملةً شهادة الطب والتوليد من الكلية الملكية البريطانية، وانضمت مباشرةً للعمل في مستشفى «كيتشنر»، ثم افتتحت عيادة خاصة بها في باب اللوق بعد عام 1935. وحسب المذكور لجأت في عدة مرات إلى النزول في منتصف الليل لتوليد بعض الحالات الحرجة، وعلى إثرة تقود سيارتها الخاصة في تصرف أثار دهشة المارة، لعدم اعتيادهم على قيادة الفتيات للسيارات. واستمرت في خدمة المرضى إلى أن بلغت الـ70 من عمرها، وقتها استقالت من عملها وانضمت إلى الجمعية الخيرية القبطية، وفيها ترجمت بعض كتب الأطفال والمشاهير، واستمر الهدوء مخيمًا على أيامها الأخيرة إلى أن توفت في 15 أكتوبر 1998.
مشاركة :