أميركا تدفع ثمن التغاضي عن تلاعب الصين بعملتها

  • 5/3/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

هل أساءت الولايات المتحدة إدارة ما يترتب على بروز الصين و«صعودها»؟ السؤال هذا يبرز حين التساؤل عن تلاعب بكين بقيمة عملتها وخفضها إلى أدنى ما هي عليه. ووزارة الخزانة الأميركية مدعوة في 15 نيسان (أبريل) إلى تقديم تقرير أمام الكونغرس يتناول سياسات سعر صرف عملات الشركاء التجاريين البارزين من أجل تحديد المتلاعبين الذين يخفضون سعر عملاتهم ويزيدون جاذبية سلعهم وارباحهم في السوق الاميركية. وعرّف قانون تجاري في 2015 الدول المتلاعبة بقيمة نقدها من طريق ثلاث سمات: احراز فائض تجاري «مادي» مع دول العالم، وفائض (تجاري) «يعتد به» في العلاقات مع الولايات المتحدة، والتدخل من غير انقطاع في سوق النقد لتوجيه عملتها توجيهاً أحادي الوجهة. وفي وقت أن الفائض التجاري الصيني مع الولايات المتحدة كبير- ويقارب 350 بليون دولار- فائضها الشامل أو المعولم متواضع، ونسبته 2.4 في المئة من الناتج المحلي العام الماضي. وهي اليوم تتدخل لرفع قيمة عملتها وليس لخفضها. ومنذ منتصف 2014، بذلت أكثر من تريليون دولار من احتياطي العملات الأجنبية الخاصة بها لرفع قيمة اليوان، نزولاً على ضغوط ناجمة عن هرب رؤوس أموال الشركات الصينية والمدخرين. وعلى رغم أن ترامب، في حملته الانتخابية التزم تصنيف الصين على أنها قوة متلاعبة بقيمة عملتها وفرض تعرفة مقدارها 45 في المئة على السلع الصينية المستوردة، يبدو أنه يبتعد مما وعد به. والصينيون «بطل عالمي» في خفض قيمة عملتهم (قوة رائدة في هذا النوع من التدخل)، على نحو ما قال، أخيراً، الرئيس الأميركي في مقابلة مع «فايننشل تايمز». واليوم، يرى خبراء اقتصاديون أن إدراج الصين على لائحة المتلاعبين بقيمة عملاتهم تبدو سخيفة ولم تعد في محلها. وكان من المفترض أن يُبادَر إلى هذه الخطوة قبل سنوات، وهذا ما تأخر الخبراء في إدراكه. وفي الماضي، حالت ذرائع معقولة دون اتهام بكين بالتلاعب. ولكن وقوف الإدارات الأميركية المتعاقبة- الجمهورية والديموقراطية على حد سواء، موقف المتفرج إزاء تلاعبها بسعر عملتها، وإجازة توسل بكين بترسانة من تكتيكات التجارة المطعون في مشروعيتها إلى زيادة الصادرات إلى الولايات المتحدة، ساهم في التنقيل الاقتصادي الذي أطاح شطراً راجحاً من العمال الأميركيين طوال أكثر من عقد. وبين عام 2000 و2014، وَأَدَت الصين ارتفاع قيمة اليوان للمحافظة على تنافس يرجح كفة صادراتها، واشترت الدولار فأضافت إلى احتياطها من العملات الأجنبية 4 تريليونات دولار. وإلى 2005، ربطت الحكومة الصينية قيمة اليوان بالدولار، وانزلقت وراءه حين تراجع أمام عملات كبرى بدءاً من 2003. وتقاطرت الشركات المتعددة الجنسية إلى الصين لتستفيد من دخولها إلى منظمة التجارة العالمية في كانون الأول (ديسمبر) 2001. والعضوية هذه شرعت أبواب السوق الأميركية والسوق العالمية أمام صادراتها. وفي 2007، كانت حصة فائض الصين التجاري من الناتج المحلي 10 في المئة- وهذا اختلال غير مسبوق في اقتصاد من هذا الحجم. وبلغ الفائض التجاري الصيني مع أميركا ثلث قيمة العجز التجاري الأميركي مع العالم كله. ولكن حينها، بدا أن الامتناع عن الاقتصاص منها في محله. فمؤيدوها في إدارة جورج دبليو بوش زعموا أن تسليط الضوء على تلاعبها بالعملة يفاقم عسر المفاوضات معها ويساهم في ظهور القادة الصينيين في صورة الصادع بما تمليه ضغوط الأميركيين، إذا ما تركوا قيمة اليوان ترتفع. وكانت إدانة تلاعبها بسعر العملة لتعوق التقدم في العلاقات الثنائية الاقتصادية البالغة التعقيد. وبدا أن جوانب كثيرة للسياسات الاقتصادية الصينية ترجح كفتها على كفة المصالح الأميركية الاقتصادية ومصالح عالم الأعمال الأميركية، يقول إسوار براساد، مدير مكتب الصين في صندوق النقد الدولي. وحينها، كان الخبراء الاقتصاديون يقولون إن سياسات التدخل في سعر العملة الصينية لا تكبد أميركا خسائر كثيرة. ففي 2007، كانت البطالة الأميركية في أدنى معدلاتها وبلغت العمالة ذروة التوظيف «الشامل أو الكامل». وعُزي العجز التجاري الأميركي إلى ضعف معدلات ادخار الأميركيين والمغالاة في الاستهلاك. وكان لأميركا مصلحة في بروز الصين. فمنذ وفاة ماو، رمت السياسة الخارجية الأميركية إلى أهداف استراتيجية حيوية: دمج الصين في نظام الاقتصادات الحرة الوثيقة الارتباط بالقانون الدولي والمؤسسات المتعددة الاقطاب في مرحلة ما بعد الحرب (الثانية). وأثمرت هذه الاستراتيجية بعض الثمار الضئيلة. فالصين سمحت بارتفاع سعر عملتها قليلاً بين 2005 و2008. وحين اندلاع الأزمة المالية، توقفت عن تحفيز الصادرات وضخت حزمة تحفيز عملاقة عززت حركة الطلب الداخلي. وعلى رغم أن هذه الاعتبارات أو المسوغات كانت في محلها، تغفل أبرز اعتبار: تعديل الاقتصاد العالمي نتيجة دعم بروز الصين الشامل نجم عنه خاسرون. وخلص عدد من الباحثين في «معهد ماسشوستس للتكنولوجيا» إلى أن عدداً كبيراً من العمال الأميركيين نزلت بهم خسائر لم يتعافوا منها ابداً. فارتفاع الصادرات الصينية بين 1999 و2011 ادى الى خسارة 2.4 مليون وظيفة أميركية، وإلى تقلص الرواتب في سوق العمل الأميركية نتيجة المنافسة الصينية 213 دولاراً سنوياً. وحسبت نظريات اقتصادية أن بلداً متطوراً مثل أميركا سيتكيف مع منافسة السلع من طريق الارتقاء بالعمال الى صناعات اكثر تطوراً. ولكن في الواقع هذا التكيف لم يحدث. ولم تحل هزالة آفاق العمل والرواتب المنخفض من دون توقف الأسر الأميركية عن الاستهلاك والاقتراض لشراء منازل وشراء أثاث جديد. فالنظام المالي الاميركي كان مغرقاً بالسيولة الصينية. ولكن هذه المعادلة لم تحمد عواقبها. وخلفت شعوراً بالخيانة والغضب في أوساط أميركيين كثر. فحين لم تلتزم الإدارة الأميركية القانون، وجهت إشارة سياسية مفادها أنها لن تحرك ساكناً أمام الغش الصيني. ولذا، صار عسيراً اليوم استمالة دعم الأميركيين للتجارة الحرة، على نحو ما لاحظ إدوارد ألدن، باحث بارز في مجلس العلاقات الخارجية.     * معلق اقتصادي، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 11/4/2017، إعداد منال نحاس.

مشاركة :