حسين البدري يستعين بالصلاة والثورة ... في مقاومة النسيان

  • 5/16/2014
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يستعين الروائي المصري حسين البدري في كتابه «صلوات سبع إلى روح صديقي الميت»، (دار أوراق- القاهرة)، بعناصر الثقافة الشعبية في أشد تجلياتها ابتكاراً، فيُضفر السياسي فى متن الفني صانعاً جدلاً بين الخاص والعام وبين تداخل الهموم والأحلام والإخفاقات الشخصية، وتصدّع الأحلام الكبرى المحاصرة وسط عالم بالغ القسوة. ينطلق النص من تاريخ فارق ودال هو التاسع من تشـــرين الأول (أكتوبر)2011، بوصفه تعبيراً عن إحدى انتكاسات الحلم، بل هو تاريخ من الألم يلوح فيه الشهيد مينا دانيال باعتباره رمزاً للمقاومة ودورها. يبدو العنوان المخاتل للكتاب قرباناً للشهيد، ووصلاً بين الموت والحياة. أمّا دلالة الموت في العنوان فتبدو كأنها نصية على الحياة ذاتها، لنصبح أمام ذلك النوع من الغياب الذي يشي في جوهره بالحضور، فيظلّ مينا دانيال بمثابة الشخصية الغائبة والمحركة للنص منذ المفتتح وحتى الختام، من دون افتعال أو تزيُّد. فثمة حالة إنسانية تبدو منذ الاستهلال السردي، مشغولة بجدل السياسي والجمالي، واعية بالمفارقة بوصفها مجازاً للنص الجديد، فتلجأ أحياناً إلى كسر الإيقاع اللغوي للنص، مراوحة بين اللغة الكلاسيكية ذات النزوع الشعري، والمستخدمة في معظم مقاطع النص، وصولاً إلى التوظيف الدال للغة الحياة اليومية ومنطقها. يحتوي النص على ذات ساردة مقموعة ومغتربة في آن، لكنها تتشبث بالأمل وتنجو بالمقاومة من فخ الفقد والوحشة: «أنا هنا على بعد ستمئة كيلومتر من قبرك، أتأمل البحر والسماء، وأتثاءب في وجه العالم، نويت قتلك هنا ودفنك في الرمال قبل أن تطأ قدماي هذه الصحراء، ولكن- ويا للعجب- قتلتُ شيئاً ما بداخلي بهذا التدوين». يقسم الكاتب نصه إلى خمسة أقسام: «صلوات»، «عطر الغياب»، «ما قبل الطوفان»، «شغف يناير»، «وصيته». ونجد في «صلوات» مقاطع سبعة، أو «صلوات سبع»، يستمد منها الكاتب عنوان كتابه. هي تبدأ بعتمة القمر الموحشة في «الصلاة الأولى»، وتنتهى بعرق العمال في «السابعة»، وما بين الرومانتيكي والواقعي تتحرك نصوص الكتاب معنية أكثر بالفضح والإدانة لمفردات واقع ضاغط على أفراده، وتبدو المجازات حاضرة بقوة في النصوص، ويبدو الانتقال السلس من المجازي التخييلى إلى الواقعي المتعين، عبر جمل تصدم وعي المتلقي من قبيل: «يبدو أن الثورة فشلت». ينهض المقطع الثاني/الصلاة الثانية على السؤال، بوصفه أداة الكتابة ووسيلتها: «من تآمر على جوعك، ومن بعث بأشواقك إلى أقاصي المستحيل» ، فثمة ذات ساردة توغل في الرحيل إذن، تعاني غربة تفضي إلى ذلك الاغتراب بمعناه الفلسفي الشامل: «نزوح آخر لما وراء الرمل بصحراء ونصف، نزوح أخير لما وراء المستحيل بقبضة يد واحدة» ، ثم سرعان ما يتشكل حس مقاوم في المقطع الرابع: «سأُشفى من كل هذا الحزن، وحدي». وفي المقطع الخامس يبدو الكاتب متماساً أكثر مع قصيدة النثر، وينبيء التاريخ المثبت في نهاية المقطع (12/6/2012) عن واقع بالغ القتامة يتمثل في ذروة الصعود المريب للفاشية الدينية لحكم البلاد. ثمة أنسنة للثورة واستجلاء لمعانيها البكر في المقطع السادس، ثم يأتي المقطع السابع حاوياً تنويعات مختلفة من التوظيف الجمالي للمعنى بدءاً من محاكمة التلصص «لا تتحدث عن السيد كارل في البار يا صديقي، ثمة بعض الخلايا النائمة، أدمنت إفساد الكروم، وهو بعد جنين أيها الضائع» وصولاً إلى التعاطي المجازي مع العالم والأشياء. في «عطر الغياب»، ثمة نصوص قصيرة جداً، تنهض على آلية المفارقة، ويظهر ذلك على نحو أكثر وضوحاً في النهايات المفعمة بالحيوية والسؤال: «على كل الجدران/ معلقة صور زاهية/ جميعها لا يعرفني». يتجاور في النص كافكا بكابوسيته، ولوركا بعالمه المسكون بالدماء، جنباً إلى جنب مينا دانيال الموزع بين كابوسية الواقع، وعنفه في آن، والمتوحد مع غسان كنفاني الذي رحل غدراً. تشيع في النص الجمل ذات الطابع الحكمي، والتي تتخذ هنا صيغة محددة، تعتمد على الطابع الخبري والإسناد إلى المبتدأ: «الراحلون لا ينسون أحباءهم»، وتحضر كل أيقونات التمرد من قبيل: «الحلاج وجيفارا والحسين» في النص، ويبدو سؤال الموت تعميقاً للوجود وترميزاً على جدل دائم مع الحياة ذاتها. يراكم الكاتب الشاب حسين البدري منجزه الجمالي الخاص، بدأب وعلى مهل، فلا تشغله ثرثرات الحكي الفارغة، ويبـــدو معنــياً أكثر بــذلك «الآن وهــنا»، مسـكوناً بالرفاق، والبشر، والأحلام المجهضة، والأماني التي كانــت، والــثورة النبيلة التي تتأبى على الموت، وتقاوم النسيان. آداب وفنون

مشاركة :