قال المخرج المسرحي المخضرم روميو لحّود إن الفرق بات كبيراً بين جيلي الفن الماضي والحاضر، إذ كان نجوم الأمس يتمتعون بالاحتراف فيما هم اليوم ملهوون بمسائل أخرى. وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن الغالبية من الفنانين الحاليين يهمّهم التقاط الصور لأنفسهم ووضعها على وسائل التواصل الاجتماعي، فهم مشغولون في تحقيق النسب الأعلى على الصفحات الإلكترونية بينما المطلوب هو الانكباب على تقديم الفنّ الحقيقي دون الاستخفاف بأذواق الناس».ورأى روميو لحّود الذي واكب عصر الفنّ الذهبي في لبنان وتعامل مع أسماء كبيرة في عالم المسرح أمثال الراحلين صباح وعصام رجّي وسلوى القطريب، أن هناك قلة اعتبار للفن بالإجمال وأنه على الفنان بشكل عام، أن يحرص على سمعته، بالتوازي مع فنّه وهو أمر نفتقده على الساحة حالياً.وعن رأيه بالساحة بالفنية عامة أجاب: «لا شكّ أن لدينا مواهب فنيّة واعدة وهذا الأمر لمسته بشكل كبير، خلال مشاركتي في حفل تكريمي أقيم للراحلة سلوى القطريب في الجامعة الأميركية. فلاحظت أن هناك كمّا من الشباب الجامعي الذي يتمتّع بأذن موسيقية مرهفة وأصوات جميلة وأداء رائع فاستطاعوا لفت انتباهنا في الحفل، إلا أن غياب فرص جدّية لإبراز مواهبهم تلك، تبقى المشكلة الأساسية في هذا المضمار». وأضاف: «لدينا نقص هائل في المجال الثقافي عامة. فالعلم والشهادات الجامعية وحدهما لا يكفيان لبناء جيل مثقّف بل إن البحث والاطلاع والقراءة هي الأكثر أهمية».وأكد بأن موجة الانحطاط الفني لا تقتصر على لبنان فقط، بل تشمل مختلف البلدان الغربية ولا سيما أميركا وأوضح: «قد يعتقد جيل اليوم بأن التطوّر يرتكز على المظهر الخارجي، فصحيح أن إنسان اليوم بات يتحلّى بذوق رفيع في مواضيع الأزياء والتزيّن وما إلى هنالك من عناصر تتعلّق بالشكل الخارجي، إلا أن المحتوى الفكري صار مسطّحا. ولذلك عندما أتابع برامج على قنوات تلفزيونية فرنسية أو لبنانية أجدها سخيفة إلى حدّ ما، وهدفها تجاري بالدرجة الأولى بحيث لا تغذّي المشاهد بأي معلومة مفيدة لأنها ترتكز على الهرج والمرج ليس أكثر».ورأى روميو لحّود أن أميركا هي المسؤولة عن هذا التراجع إن على المستوى الفني أو الإعلامي، وأن لبنان مع الأسف ركب نفس الموجة وصارت غالبية برامجه التلفزيونية مجرّد نسخات بالعربية لأفكار غربية ليس أكثر». وتساءل: «من قال إنه ليس لدينا أفكار جديدة وإعلاميون محترفون وفنانون رفيعو المستوى، فإن لبنان غنّي بجميع هذه العناصر إنما مع الأسف التقط العدوى من الغرب وكأن ما يقدّمونه هناك لا غبار عليه وهذا تفكير خاطئ تماما».وكان روميو لحود قد أطلّ مؤخراً في المؤتمر الصحافي الذي عقدته «مهرجانات أعياد بيروت» للإعلان عن مشاركته فيها من خلال مسرحية «بنت الجبل». ويعلّق: «في الحقيقة أنا سعيد جداً بهذه التجربة، فلطالما أعجبت ببرامج «مهرجانات أعياد بيروت»، التي تستقطب شباب اليوم بالدرجة الأولى كما أن القيمين عليها هم من هذا الجيل بالذات. فبيروت بحدّ ذاتها تعني لي الكثير فهي مهد الحضارات والثقافات وكوني أشارك في مهرجان يقام فيها لهو أمر أفتخر به». وأضاف: «كما أن عرض المسرحية على مسرح في بيروت هو بمثابة فرصة لا يمكن تفويتها لأن هناك كمّا من اللبنانيين القاطنين في جنوب لبنان وفي الشوف، لم يتسن لهم مشاهدة المسرحية عندما عرضناها في جونية بسبب بعد المسافة بين مناطقهم وموقع المسرح. وأنا مستعدّ لأن أشارك في أي مهرجان مناطقي من شأنه أن يعزّز تراثنا الفني إن في صيدا أو طرابلس أو في صور. فعلى جيل اليوم أن يلمس الفرق ما بين زمن الفن الجميل والحالي، وهو أمر لفتني بالفعل عندما لاحظت أن مسرحية «بنت الجبل» استقطبت شريحة لا يستهان بها من شباب اليوم، فكانوا يتمتعون بمشاهدتها وكأنها عمل من كوكب آخر».وعما إذ هناك من فنانين حاليين يصلحون لتقديم أعمال استعراضية في لبنان قال: «طبعا هناك فنانون لديهم القدرة على التعلّم واكتساب الخبرة لتقديم عمل استعراضي، فإن أي فنان هو مخوّل للقيام بذلك شرط أن يتعلّم أصول هذا المسرح». وما رأيك مثلا بميريام فارس الملقبّة بملكة المسرح الاستعراضي؟ «هي دون شكّ فنانة ناجحة وأنا أتابعها باستمرار وأتمنى لها التوفيق الدائم، ولكنها لا تنسجم مع روحية المسرح الذي أقدمه. وفي المقابل فأنا أجد أن الفنانة هيفاء وهبي قادرة على القيام بهذه المهمة بنجاح من خلال «شو» فنّي يليق بها فلا يعود يقتصر أداؤها على أغانٍ قصيرة فقط».وأشار إلى أن الساحة اليوم ينقصها اجتهاد أصحابها ومنتجي أعمالها الفنيّة، وأن هناك غياباً تاماً لأصحاب العين الثاقبة التي في استطاعتها أن تعلّم وتنمّي تلك المواهب الموجودة بوفرة في لبنان. وقال: «هناك مواهب كثيرة إلا أنه ليس هناك من يديرها ويشرف على تطويرها، ولذلك نرى الفنان اليوم يهتم في الغناء وربح المال لأن هناك من زرع في فكره بأن هذا الأمر هو الأهم في الفن».اليوم وبعد تقديمه أكثر من 35 عملاً مسرحياً ما زال روميو لحود يحلم في تقديم أعمال جديدة ويقول: «لا أتعب من التفكير في تقديم الجديد دائماً. ففي بداياتي خيّل إلى أنني لن أنجح سوى في الأعمال الغربية، ثم ما لبثت أن حققت النجاح وراء الآخر من خلال أعمال لبنانية بامتياز. وعندما قدّمت منذ سنوات قليلة مسرحية «طريق الشمس» اعتقدت أنها ستكون خاتمة أعمالي، إلا أنني عدت بعدها في عملين آخرين «كاريكاتير» و«بنت الجبل». أما اليوم فأفكر جدّيا في تقديم مسرحية «سيرانو دي بيرجيراك» الضخمة والتي حسب ما قرأت استطاعت أن تبهر العالم بـ17 ألف عرض مسرحي، هي التي بدأت عروضها في عام 1896». ويتابع: «هي مسرحية رائعة وتحتاج إلى ميزانية مالية كبيرة فأتمنى أن أستطيع تحقيق هذا الحلم قريباً».وعما إذا هو يفكّر في تدوين مذكّراته في كتاب يروي فيه مشواره الفني الغني بالتجارب والأعمال الفنيّة أجاب: «لا أحب أن أتجمّل عندما أتحدّث فكيف إذا ما فكّرت في الكتابة؟ فمن المؤكّد أنه لن يكون في استطاعتي أن أروي الأمور كما هي فأكون مضطّرا إلى الكذب مرات وهو أمر لا أحبّذه أبداً، ولذلك فإن هذا المشروع غير وارد عندي».
مشاركة :