كان الجد جالسا في غرفة المعيشة يشاهد حفل تخريج دفعة من طلبة الجامعة بحضور أمير البلاد وولي عهده الأمين، حفظهما الله، وعدد من الوزراء والشخصيات البارزة في الدولة. وكان يشاهد الحفل والسعادة تغمر قلبه مما انعكس على ملامح وجهه. في هذه الأثناء دخل الحفيد وأحس بمشاعر جده السعيد بما يشاهد، فبادر جده بالسؤال.الحفيد: جدي العزيز... حدثني عن سياسات التربية والتعليم في زمنكم الجميل؟الجد: نعم يا بني... كانت سياسات الخطة الخمسية في اواخر الستينات واوائل السبعينات مستوحاة من مجموعة الأهداف المثلى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في دولة الكويت. وكانت الخطة الخمسية تركز بالدرجة الاولى على تنمية القوة البشرية في البلاد والنهوض بها ثقافيا وتكنولوجيا ومهنيا الى أعلى المستويات الممكنة. لذلك كانت سياسات التربية والتعليم تحتل موقعا استراتيجيا في خطة التنمية الخمسية.الحفيد: وكيف انعكست تلك السياسات على محيط التعليم آنذاك؟الجد: انعكست السياسات المعتمدة في خطة التربية والتعليم بما اتخذته السلطات المسؤولة آنذاك من اجراءات وتدابير في مراحل التعليم المختلفة، مثل الوفاء بحاجات الاقتصاد والمجتمع الكويتي من القوة العاملة الماهرة المتخصصة في شتى الحقول والميادين. مع مراعاة السياسات المتعلقة بالاتفاقيات الثقافية المبرومة مع الدول العربية والمتعلقة بتقدم الثقافة والعلوم بشكل عام، وتطبيق أساليب التعليم والتدريس والتخطيط العلمي والثقافي في الأوساط الدولية والمنظمات العالمية المتخصصة.الحفيد: حدثني يا جدي عن تلك السياسات المعتمدة للتربية والتعليم في خطة التنمية الخمسية؟الجد: تم تحديد تلك السياسات في الخطة الخمسية بصورة تسمح لها بالتفاعل مع التطورات التعليمية سواء كانت عربية أو عالمية وهى: ادخال التعديلات على المناهج الدراسية الموجودة وقتها واعادة النظر فيها بصورة دورية. تبني طرق تدريس أفضل. تخفيض نسبة التلاميذ لكل معلم. وضع برنامج فعال للإرشاد والتوعية. وضع برامج خاصة للطلاب المتفوقين وللطلاب المتخلفين. توفير الكتب المدرسية الممتازة. وضع سياسة صحيحة لامتحانات واساليب التقويم.توفير التدريب أثناء الخدمة للمدرسين والمفتشين. رفع مستوى تأهيل المعلمين. رفع مستوى تدريس اللغات الاجنبية. توسيع تعليم البنات وتنويعه. رفع مستوى التعليم الفني والمهني. رفع مستوى برنامج تعليم الراشدين. انشاء معاهد للتعليم العالي. التوسع بالتعليم الجامعي.الحفيد: سياسات بالفعل اهتمت بأهم الجوانب التعليمية، ولكن جدي ما هى معاهد التعليم العالي؟الجد: كانت هناك خمسة معاهد تعليمية اهتمت بجوانب تنموية مختلفة مثل:اولا: معهد الدراسات التجاري... حيث ان النمو الاقتصادي العام في الستينات أدى الى توسع نشاط القطاع التجاري، وزيادة الطلب على المتخصصين في شؤون التجارة، كما أن التقدم الصناعي والاقتصادي كان مرهون وقتها الى حد كبير بالطاقات التنظيمية التي تعمل على دعم عوامل الانتاج وزيادة انتاجيتها، اضافة الى ميل الكويتيين التقليدي نحو التجارة والأعمال الحرة قد رسخ فيهم الأساليب القديمة التي لا تتماشى مع التطورات التكنولوجية في الميادين الاقتصادية المختلفة. فأصبح معهد الدراسات التجارية يساهم في تغطية متطلبات التوسع الاقتصادي والتقدم التكنولوجي.ثانيا: المدرسة الزراعية... في الستينات عندما انتهى العمل في مشروع اسالة المياه العذبة من العراق الى الكويت، أصبح من الضروري توافر الأشخاص المؤهلين في الفنون والعلوم الزراعية بما فيها زراعة الخضراوات وتسويقها وادارة مزارع الدواجن والألبان.ونظرا لعدم وجود طبقة من الفلاحين الذين ورثوا مهنة الزراعة عن أباءهم في الكويت، فقد أصبح آنذاك ضرورة اعداد بعض الاشخاص لهذه المهنة الجديدة. وعليه، اهتمت الدولة بمدرسة الزراعة مع مزرعة نموذجية ومحطة للأبحاث لمواجهة احتياجات الدولة من المتخصصين في شؤون الزراعة.ثالثا: المدرسة البحرية... كان بناء السفن الصغيرة والتجارة من الأعمال التقليدية في المجتمع الكويتي نظرا لموقع الكويت الاستراتيجي على الخليج العربي، وكان لا بد من اقتناء اسطول من السفن التجارية لمواكبة التنمية الاقتصادية، الأمر الذي جعل المدرسة البحرية تعمل على توفير المهارات المطلوبة من الملاحين والفنيين.رابعا: مدرسة تعليم المكفوفين والصم والبكم... ان تعليم المكفوفين والصم والبكم والمتخلفين عقليا وذوي العاهات الجسدية وتدريبهم من المسؤوليات التي تقع على عاتق المجتمع برمته. وكان في المجتمع وقتها ما يقارب 312 طالبا من هذا النوع يتم تعليمهم وتدريبهم في معهد لا تتوافر فيه الشروط المناسبة والتجهيزات الكافية. لذا استهدفت الخطة انشاء مبنى جديد مجهز بأحدث المعدات والمرافق يمكن من تقديم الخدمات التعليمية والتربوية الى مجموعة من المكفوفين والصم والبكم وذوي العاهات بصورة مميزة.خامسا: المدارس الخاصة... ان وجود جاليات أجنبية تختلف في لغاتها الأصلية عن اللغة الرسمية في دولتنا الحبيبة الكويت يحتم وقتها على وجود مدارس خاصة لأبناء هذه الجاليات. لذلك استهدفت خطة التنمية أن تأخذ الدولة على عاتقها مهمة تنظيم التعليم الخاص ليكون في المستوى الذي يحقق اهداف التعليم، ويجعله يواكب التقدم العلمي والتربوي المطلوبين.الحفيد: لا شك أن أساس التنمية هو التركيز على التنمية البشرية، وأن العنصر البشري هو أساس تقدم الأمم وفشلها، وجميل جدا أن تكون دولتنا الحبيبة سباقة في مجال وضع وتنفيذ سياسات تعليمية وتربوية في زمنكم الجميل كانت بمثابة حجر الأساس لانطلاق المستوى التعليمي، مما انعكس على النشء الكويتي الذي نتعلم من تجاربهم في زمننا الحالي.. زمنكم محفول بالإنجازات يا جدي.. ليتنا عشنا في زمنكم الجميل.
مشاركة :