«أم القنابل» و«أبو القنابل» والعودة إلى الحرب الباردة

  • 5/4/2017
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

د. عبدالمنعم المشاط ما فتئ النظام الدولي يئن تحت وطأة الحرب الباردة التي ارتبطت بتوازن الرعب النووي بين الاتحاد السوڤييتي والولايات المتحدة على الرغم مما استتبعها من الوفاق الدولي والتعايش السلمي ومحاولات الحد من الأسلحة النووية سواء باتفاقيات SALTأو START، وتصاعد التفاؤل بالانتقال من الصراع إلى الاعتماد المتبادل ومن الشقاق إلى الاتفاق. بيد أن وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في الولايات المتحدة وبريطانيا واحتمالات صعوده في فرنسا ودول أخرى أدى إلى التحول من مفاهيم الشراكة في السياسات العالمية والمسؤوليات الدولية إلى التركيز على الدولة القومية بما يحمله ذلك من تعصب وتطرف قومي يصل إلى حد الدفاع عن النقاء العرقي، ولا شك في أن التطرف القومي يقود بالضرورة إلى الصدام وتصاعد الصراع والتحول من التفاوض إلى المواجهة وخاصةً العسكرية منها.وقد بدأت بشائر السياسات الأمريكية المتطرفة بإصدار قرارات رئاسية تقيد سفر بعض الجنسيات العربية والإسلامية إلى الولايات المتحدة على الرغم من عدم دستوريتها، وتصاعدت بقيامها بإطلاق 59 صاروخ «توماهوك» على قاعدة الشعيرات القريبة من حمص في سوريا عقابًا للنظام السوري على الادعاء باستخدامه الأسلحة الكيماوية في مدينة خان شيخون على الرغم مما قيل عن تورط المنظمات الإرهابية، بمساندة وتمويل دول أجنبية، في تخزين تلك الأسلحة في مناطق سيطرتها، وكانت الولايات المتحدة تستهدف من ذلك أمرين؛ الأول: إرسال رسالة طمأنة إلى حلفائها بأنها جادة في إسقاط نظام الأسد، والثاني: أنها لن تسمح لروسيا بالانفراد بتحديد مصير سوريا، ولم تكد تجف دماء القتلى في قاعدة الشعيرات حتى فاجأتنا الولايات المتحدة في 13 إبريل/نيسان بإسقاط أكبر قنبلة تقليدية غير نووية على منطقة أخين بمحافظة نانجارحار في خراسان بشرق أفغانستان، وهي المسماة أم القنابل MOAB، والتي أدت إلى مقتل ما يزيد على 100 عضو من المنتمين إلى داعش في أفغانستان؛ إضافة إلى الصراع بين الحكومة الشرعية في أفغانستان من ناحية وجماعة طالبان من ناحية أخرى، تسللت عناصر من «داعش» إليها ما أدى إلى زيادة عدد الموالين والمبايعين ل«داعش» إلى حوالي 1000 إرهابي، ولم تستطع الولايات المتحدة أن تحقق أية مكاسبة عسكرية على الأرض على الرغم من وجود قوات أمريكية تزيد على 8400 وقوات تابعة لحلف الأطلسي يصل عددها إلى حوالي 5000، من ثم قرر ترامپ استخدام أم القنابل، والتي يصل طولها إلى حوالي 9 أمتار ووزنها حوالي 10 أطنان والقدرة التدميرية 11 طنًا من مادة TNT شديدة الاشتعال، وتحملها طائرة C 130، وتبلغ تكلفتها 16 مليون دولار، وكانت الولايات المتحدة قد أجرت تجربة على فعاليتها عام 2002 بهدف ردع صدام حسين قبل غزو العراق عام 2003، وتمتلك الولايات المتحدة اليوم 20 من «أم القنابل» بتكلفة إجمالية 360 مليون دولار، والقنبلة تنفجر في طريقها للأرض وتؤدي إلى تدمير الأنفاق والمخابئ وكافة مظاهر الحياة في منطقة لا تقل عن 150 مترًا مربعًا، كما يؤدي الضغط الجوي الناتج عنها إلى قتل الأحياء من الإنسان والحيوان والطير والنبات، كما أنه لا يمكن علاج الأثر النفسي الشديد على الذين يشاهدون انفجارها أو يسمعون أزيزها، وفي أعقاب إلقاء «أم القنابل»، قام ماكماستر مستشار الأمن القومي الأمريكي بزيارة إلى أفغانستان لمحادثات مع الرئيس الأفغاني أشرف غني حول التعاون المشترك في مواجهة الإرهاب ولطمأنته حول الالتزام الأمريكي بأمن أفغانستان؛ حيث إن إلقاء أم القنابل أثار حفيظة الأفغان، ليس فقط للضحايا، ولكن لاستباحة أفغانستان حقل تجارب لأسلحة الدمار الأمريكية؛ فقد استنكر الرئيس الأفغاني السابق حامد قرضاي التفجير الأمريكي، وأكد أنه لا يمكن أن تصير أفغانستان حقلاً للتجارب الأمريكية. ولم تكد تخف آثار انفجار أم القنابل إلّا وأعلنت روسيا عن «أبوالقنابل»، وهو أقوى سلاح تقليدي غير نووي يتسم بقوة تدميرية أشد من أم القنابل بأربع مرات (44 طنًا من مادة TNTشديدة الاشتعال)، وتحمله طائرة TU160 وتبلغ دائرة تأثيره 300 متر مربع، وإن كانت أقل وزنًا من أم القنابل، إذ لا يزيد وزنها على 7 أطنان، وكانت روسيا قد أجرت تجربة عليها في 11 سبتمبر/أيلول 2007، ويعد «أبوالقنابل» أقوى سلاح تقليدي هدَّام حتى الآن، إذ يفوق تأثيره عددًا كبيرًا من القنابل النووية صغيرة الحجم، ويأتي توقيت استخدام أم القنابل في أفغانستان وإعلان روسيا عن «أبوالقنابل» وقوته التدميرية الرهيبة في إطار حدثين دوليين مهمين؛ الأول: هو قيام الولايات المتحدة بتهديد كوريا الشمالية بعدم إجراء التجربة النووية السادسة، والثاني: انعقاد المؤتمر الدولي للسلام في أفغانستان في غياب الولايات المتحدة؛ فقد حذر ترامپ كوريا الشمالية من إجراء تجارب نووية جديدة، وإلا قامت الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات عسكرية ضدها.وفي الوقت ذاته، دعت روسيا 12 دولة لحضور المؤتمر الدولي للسلام في أفغانستان، وعلى رأسها الصين وإيران والهند وباكستان وأفغانستان ودول وسط آسيا، وقد رفضت الولايات المتحدة المشاركة بحجة أن روسيا تتحيز لطالبان في مواجهة كابل؛ فقد اتهم جيم ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي، روسيا بالانحياز لطالبان، بينما اتهم كيرتس سكاباروتي، مدير عمليات حلف الأطلنطي، موسكو بتقديم أسلحة إلى طالبان، وهو الاتهام الذي أنكرته روسيا، والحقيقة أن روسيا تعتبر أن السلام والاستقرار في أفغانستان حجر الزاوية للسلام والاستقرار في جنوب آسيا وجنوب شرقي آسيا، وهي المناطق ذات الأهمية الاستراتيچية لروسيا، هذا فضلاً عن وجود موارد معدنية طائلة في أفغانستان تقدر بحوالي 3 تريليونات دولار، وهكذا، تتلامس المصالح الروسية والأمريكية بقوة في الشرق الأوسط، ممثلة في سوريا، وجنوب شرقي آسيا ممثلة في التسوية السلمية للقضية الأفغانية، وفي شرق آسيا ممثلة في كوريا الشمالية، ولا شك في أن هذا التلامس بهذه القوة يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة. ولا يغرب عن البال أن انتقال التنافس بين البلدين في مجلس الأمن والاستخدام المكثف لحق الاعتراض من جانب روسيا لوقف المشروعات الأمريكية والغربية إلى المجال العسكري بالصورة التي اتضحت عند الإعلان عن أم القنابل وأبوالقنابل يشكل خطرًا جديدًا على السلم والأمن الدوليين؛ فقد سبق أن عانت البشرية من سياسة حافة الهاوية بين الطرفين أثناء الحرب الباردة الأولى، والخوف أن ننجرف إلى الهاوية بالفعل في جو الحرب الباردة الجديدة.

مشاركة :