الرقص على أنغام «النوستالجيا»

  • 5/4/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

نور المحمودمن يشعر بالغربة أكثر، المسافر والمهاجر، أم الجالس وسط أهله وهو بعيد الفكر والقلب؟من يعيش في غربة حقيقية، البعيد عن وطنه، أم ساكنه جسداً بينما انتماؤه لبلد آخر؟هل الغربة الحقيقية هي عزلة الإنسان عن المكان والناس، أم مجموعة الحقائب وتذكرة السفر واللهجة واللغة التي تذكّره باستمرار أنه ليس من هنا، وأنه سيعود يوماً ما حياً أو ميتاً إلى حيث كان، وإلى «وطن» عرفه يوماً؟يا غربة تلاحقنا في كل مكان، تشدنا إلى عالم «النوستالجيا»، لتسرقنا في عز الأفراح. وكأنها الدمعة التي تخرج في أوقات الأفراح. هي لحظة الحقيقة الواقفة خلف الباب، تنتظر حلول الصمت لتقفز أمامنا. تشدنا إلى ماضٍ وتفرش طريق المستقبل بتساؤلات وتكهنات وصور فيها الكثير من الضبابية والغموض.يستحيل أن تعيش وحيداً، فالغربة توأم روحك. ترافقك كظلك، ويستفزها جداً أن تتجاهلها، لذا تجدها تتحين الفرص لتذكرك بوجودها. تحب أن تعتصر قلبك، أن تستفز حنينك، أن تضغط على أعصابك، وأن تمارس لعبة الكلمات المفقودة وملء الفراغ بما يناسب ولا يناسب أحياناً. تطرح عليك تساؤلات مزعجة من وزن «سبب وجودك هنا»، حتى وإن كنت تعيش في وطنك ولم تركب الطائرة يوماً، فهي متخصصة في البحث عن الأوجاع ونقاط النقص لتضيء عليها بقوة، فتشعرك بأنك عاجز أو ضعيف أو مستضعف، والوطن بكل ما فيه وبملايين أهله، ضيق عليك ولا يرضي طموحاتك.تستفزك فتسألك عن قيمة ما أنت فاعل؟ هكذا تصير مجرد إنسان لا قيمة لكل ما فعله ويفعله. وهل تحقق فعلاً ما تريده؟ وهل هناك من يقدّر جهودك؟ وهل التقدير كافٍ؟ تحب أن تعزلك عن ذاتك، تمتحن قوة إرادتك وإيمانك.بوهيمية تلك الغربة، أينما ذهبتَ تشهر سلاح «النوستالجيا» في وجهك، تريدك أن ترحل من جديد «فأنت هنا غريب»، هكذا تحدثك، توسوس إليك بأشياء ربما ليست حقيقية، أو أنها جزء من الحقيقة، بينما تخفي الجزء الآخر والذي قد يكون أكثر بياضاً وبهجة. تريدك أن ترحل باستمرار، أن تحمل حقائب ذكرياتك وماضيك وحاضرك، أن تغلف ذاتك بأوراق قابلة لإعادة التدوير، فتتشكل من جديد في أي وقت وأي مكان.غربة تريدك أن تكون قابلاً للتدوير، تجعلك لعبة بين يديها، تصوّر لك المستقبل جميلاً في مكان آخر، وتدعوك للترحال. لا تستقر على حال، فهي فجأة تجمّل في عينيك ماضياً عشته، وبلد ولدت فيه أو سكنته يوماً، بعد أن دفعتك لمغادرته وكان في وقتها «لا يرضي طموحاتك أو أحلامك». غربة تعشق كل ألوان ومعزوفات «النوستالجيا»، وتدعوك للرقص معها على أنغامها. noorlmahmoud17@gmail.com

مشاركة :