مفتاح شعيب فتحت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي النار على المسؤولين الأوروبيين، متهمة إياهم باتخاذ مواقف متشددة في مفاوضات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يترقب فيه الرأي العام الغربي بمخاوف كبيرة نتيجة الانتخابات الفرنسية هذا الأحد، والتي لا يتواجه فيها مرشحان هما مارين لوبان وإيمانيويل ماكرون فقط، وإنما يتقاتل باسمهما مشروعان متضادان سيكون للمنتصر منهما شأن على القارة الأوروبية بأكملها.البريطانيون، شأنهم شأن بقية الأوروبيين، تسيطر عليهم مشاعر القلق من المفاجآت الممكنة، وخشية من ذلك دعت ماي إلى انتخابات مبكرة في الثامن من يونيو/ حزيران المقبل ستتوافق مع الذكرى الأولى لاستفتاء الخروج. ويراهن حزب المحافظين الحاكم على حسم النتيجة لصالحه ليجد أرضية سياسية صلبة ينطلق منها للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي على آليات الخروج ومساره. ورغم أن حزب تيريزا ماي يتقدم بفارق مريح، بحسب الاستطلاعات، على خصمه حزب العمال الذي يعارض مغادرة الفضاء الأوروبي، إلا أن هناك مخاوف من انسداد أفق المفاوضات حتى وإن تمكنت الحكومة البريطانية من حسم الانتخابات لصالحها. ففي الجانب الآخر يوجد تشدد وشروط قاسية، وكأنها «عقوبات» تريد من خلالها النخبة المسيطرة على الاتحاد أن تجعل من بريطانيا عبرة لأي دولة، مهما كانت، قد تفكر يوماً في الانسحاب. ومما تكشف عنه الملاسنات بين بروكسل ولندن أن خطوط التواصل بين الطرفين متوترة جداً، فقد اعتبر رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر أن رئيسة وزراء بريطانيا تعيش في «كوكب آخر»، في إشارة إلى تصميمها على الفوز بمفاوضات ميسرة، والحصول على بعض الامتيازات والفوائد لبلادها بعد استكمال إجراءات الخروج في 2019.معركة «كسر العظم» بين الطرفين ستستمر، وهي مرشحة لتتصاعد قريباً في ضوء الانتخابات الفرنسية، فإذا فاز المرشح الوسطي ماكرون سيتعزز موقف بروكسل ويزداد صلابة، أما إذا فازت اليمينية المتطرفة لوبان، فستشعر لندن بأن ما فعلته هو عين الصواب، وهو ما سيؤثر مباشرة في الانتخابات البريطانية الشهر المقبل، والتي ستكون بمنزلة استفتاء جديد على ال «بريكست» أكثر منها انتخابات لتشكيل حكومة جديدة. ولكن ليس بمقدور البريطانيين أن ينتشوا كثيراً، فحتى على افتراض فوز لوبان، لن تتجه باريس في اليوم التالي إلى التنكر للاتحاد الأوروبي وتقود هي أيضاً عملية «فريكست»، فقد لا يتحقق شيء من ذلك على المدى المنظور بسبب التوازنات السياسية داخل فرنسا وفي عموم الاتحاد الأوروبي.تتبع التطورات السياسية العاصفة في الغرب يؤكد أن هناك حالة من عدم اليقين تجاه كل الشيء، فالخارج من الاتحاد الأوروبي لم يعد واثقاً من أن ما يفعله هو الأمر الصحيح، والباقي داخل الاتحاد أصبح يتخوف من أن تتم عرقلة بقائه. وبعد أن تعالت أصوات الشعبوية واليمين المتطرف أصبح من الصعب الحديث عن مواقف أوروبية متجانسة حول قضايا عديدة. وقد أثرت حالة عدم اليقين هذه في مستقبل الاتحاد الأوروبي، ويقدم القلق الذي يحيط بالانتخابات الفرنسية مثلاً صادقاً عن هذا الوضع، وإذا لم تتوقف التطورات عند هذا الحد، فأكبر الظن أن هذا الشعور السيّئ سيتضاعف، وسيمتد إشعاعه إلى خارج الحدود الأوروبية. chouaibmeftah@gmail.com
مشاركة :