المأسوف.. وغير المأسوف عليهم | شريف قنديل

  • 5/17/2014
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

مأسوف عليه أم غير مأسوف.. استقال، أم أقيل، أم "استقالوه"، يظل الجدل محتدما حول النهاية المؤسفة للمبعوث الأممي في سوريا الأخضر الإبراهيمي. لكن الأمر المؤكد أن الشعب السوري كله هو المأسوف عليه الآن، ليس بفعل الأخضر، وإنما بفعل ذلك الزعيم الذي حرق ويحرق الأخضر واليابس لكي يعيش ولكي يهتف له الشعب "عاش الزعيم"! ولكم حلمنا كلنا أن نهتف للزعيم لو أنه حرّر الجولان لا القدس! لكنه في الحقيقة تمكّن أثناء بعثة الأخضر وحراسة الأحمر أن يُحرِّر حِمص! مأسوف عليه أم غير مأسوف، يغادر حامد كرزاي رئاسة أفغانستان مسلّمًا السلطة لعبدالله عبدالله وزير خارجيته الأسبق الذي نافسه عام 2009م دون أن يكون له نصيب! لكن وبالتأكيد فإن المأسوف عليه تمامًا هو الشعب الأفغاني كله بطاجيكه وبشتونه.. تركمانه وأوزبكييه وهزارته!! لقد جاء كرزاي بانتخابات شكلية، حيث استقر عليه الأمر الأمريكي قبل وبعد الانتخابات.. فلا ديمقراطية تحققت، ولا عدالة أنجزت، ولا أي شيء يُذكر، فهل يتأسف الشعب قريبًا على عبدالله أم يتأسف عبدالله للشعب، أم يتواصل أسف الأمة على أفغانستان؟! والحق عندي أن ساحة الأسف وقوائم المأسوف عليهم وغير المأسوف تشابكت وتعقدت إلى حد أن الشعوب باتت لا تعرف على وجه الدقة من هو المأسوف عليه ومن هو غير المأسوف؟! ذبول في النفس وشحوب في الروح، وموات في الضمائر جعلت الكثيرين لا يتّعظون بعبرة، ولا تتوقّد فيهم إرادة، رغم أن المشاهِد والدلائل تخرق العين وتعض القلوب.. والحق كذلك أن الشعوب كما هو واضح في ساحة الأسف والحزن والأسى هي التي تصنع الطاغية أو على الأقل تُقدِّم له أو تُقدّمه للساحة. كنت في الصومال عندما كان العالم كله يتحدث عن سياد بري باعتباره طاغية، لكن الشعب المُقرّب منه والمحيط به كان يمنع أصوات المعارضين الذين اقتربوا من العاصمة مقديشيو حتى لا يسمعها الزعيم.. بل إنني حين تجرّأت وقلت له وهو يجلس أمامي بالبدلة الصيفية الأنيقة والعصا الشهيرة و"البايب" الوارد خصيصًا من هافانا: أنت محاصر سيدي الرئيس، ضحك ساخرًًا وراح يلقنني درسًا في أصول الصحافة الميدانية الأمنية!! مع ذلك، وبعيدًا عن الشماتة في رجل رحل عن دنيانا أقول: إن سياد بري نفسه لا أحد يستطيع الآن تصنيفه في قائمة المأسوف عليهم أم غير المأسوف!! لقد حكم بلاده لسنوات طويلة بالنار والدم، لكنه كان يدرك طوال الوقت خاصة في السنوات الأخيرة التي كنت أتردد فيها كثيرًا على الصومال أنه إذا رحل سينقسم الصومال وسيتقطع إربًا كما كان.. وقد كان.. وبأبشع ما تصوره سياد بري، فهل كان الرجل يستقرأ الغيب؟ أم كان يدرك أنه ترك ألغامًا وأوحالاً ومصائب وكوارث كافية لأن تُفجِّر الصومال كله بشماله وجنوبه ووسطه وشرقه وغربه؟! ومهما يكن من أمر، فإن الشعوب -كما هو ثابت الآن- هي التي تبدأ.. ثم يبدأ بعدها الطاغية في حكمها.. شاهدت ذلك بأم عيني في بلاد إفريقية كثيرة. شاهدت شعوبًا تبتدع ألوانًا من المناسبات والاحتفالات حيث تضاء السماوات رغم شح الطاقة وتصدح الموسيقى وتعلو الأغاني والأناشيد ثم الهتاف والدعاء، قبل أن يظهر الزعيم باعتباره جاء استجابة لزئير الشعب ولنداء التاريخ ولصوت السماء ولهتاف الأرض ولروح الجماعة.. الآن أيها السادة ها هو النصر يخرج من رحم الهزيمة والنور يسطع من قلب الظلام والفجر ينبلج من وسط الليل.. ثم يظهر الزعيم متواضعًا وهو يحيي الشعب! تستمر المأساة -الملهاة- حتى ينتصف الليل، ثم ينصرف الناس كالرمل في العاصفة.. عيونهم جاحظة ثم خابية، ووجوههم عليها قنوط واكتئاب.. شيئًا فشيئًا يعود الحزن من جديد واليأس من جديد. دقّق معي في بدايات حاكم سوريا، ستجد ما قلته عن سياد بري ينطبق عليه تمام الانطباق.. فقد جاء الرجل -أو الفتى حينها- متوددًا للشعب وللأمة قبل أن ينقلب عليهما معًا! ولقد كان بالإمكان أن يصبح مغايرًا وأن يصبح مشروعًا وطنيًا عربيًا فذًا لولا المنافقين؛ خدم كل العهود الذين يبتدعون له تاريخًا وهميًا، ويشيرون عليه بما يفعل وما يقول، ويصوّرون له الأمر بأنه الحكيم والزعيم الملهم العبقري.. هؤلاء موجودون الآن بل وناجحون في تعطيل حواس الكثيرين، ونشر أمية الغيبوبة التي تجعل شرائح كبيرة من الشعب تستمر في الهتاف للزعيم ليس عن خوف وإنما عن قناعة! نعم مثل هؤلاء موجودون ومتخصصون في الرقص بالشعارات، وصناعة ملاحم الكذب، وإحداث جو عام مناسب لتكديس الثروات. الكارثة التي تتطلب حلاً أو على الأقل وعيًا هي أن الطغاة عندما يرحلون يتركون لشعوبهم الفراغ وما أدراك ما الفراغ! فإذا أضفت لذلك المطامع الاستعمارية التي باتت تتخذ أشكالاً أخرى غير تلك المصاحبة للاستعمار القديم تصبح الشعوب في مهب الريح.. تظهر فرق وجماعات الإرهاب والتطرف، وتبرز جماعات السمسرة والمصالح، وينتشر الذباب على جثة الوطن.. ويكثر السوس والعفن.. فتتمنى الشعوب من جديد عودة الطاغية الذي هو أهون ألف مرة من الخراب.. تتعقد قائمة المأسوف عليهم وغير المأسوف.. وينتهي المقال. sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :