شهدت فلسفات التاريخ على الأمد الطويل مجتمعات متنوعة من النخب، فالنخب في مضمونها المعروف، الثروة والقوة والمكانة، ورغم العزوف العام عن تاريخ القرون الماضية والتشبث بقرن التحولات -قرن التكنولوجيا- وأنماط الحياة اليومية والتقنية، ظهرت دراسات مختلفة تسترجع الماضي، وتكرر الميادين والأسماء، ولم تكتف ببعض مخلفات ذلك الماضي. فمن الممكن أن نضيف علاقة المؤرخ بالماضي وحقيقة المعرفة التاريخية، وجوانب السلوك الإنساني الذي تم عرضه أو تجاهله، فهناك تناقض بين ما يكون من واقع وبين تصوير يتعرض أحدهما للتفخيم، أو للتهميش، وتضاعف الحذر جعل التاريخ، بلا منطق أو مفهوم، ليس سوى سرد وتأليف. لقد أدت بعض الجهود إلى تفكيك نمطين متتابعين، منها الطبقية، والرأسمالية، أمام تهافت الأسباب والطابع القديم الذي لا نهاية له، وأن الناس تعتقد بوجه عام أنها حققت شروطاً معينه تفرض ديناميكية التوازن الاقتصادي والتغيير الدوري حيث غيرت الحوار والتواصل، وفسرت كل الاتجاهات، فالنخب اليوم نخب مالية، نخب رؤؤس أموال وممتلكات، وتحمل ألقابًا وتنتمي لطبقة الأعيان، فكل شيء رهن بمتطلبات الخدمة التي يريدها العصر. في المملكة المتحدة تعتبر النبلاء كل من لهم علاقة بالعائلة الحاكمة، والطبقة الأرستقراطية هم أعيان البلاد، فالنبلاء أعضاء بالوراثة أما البقية الأخرى أعضاء بالممتلكات والمهام الوزارية والبرلمانية، وكذلك الحال في أوروبا لولا أن فرنسا شنت على العوائل الارستقراطية حرباً لأن ملكيتهم للأراضي بالوراثة وتسيدهم للمجتمعات دون وجه حق، وهذا ما ترتب عليه القول إن القرن العشرين والواحد والعشرين، لم يكن متغطرساً كالقرون السابقة، إنما استند على امتيازات التقنية وفرض سيطرتها على الحضارات، وترك ما تبقى ضمن مصالح العامة. وبما أن الرأسمالية تعزز الملكية الفردية، وتتشارك في الأساسيات والشروط لاستخلاص مختلف النتائج، وغالبا ما تكون الحقيقة متصلة بالسلوك الإنساني وبداهة العقل، فإن من قيم التاريخ بقاء النخب المتوارثة، كدليل لإثبات مراتب الحكمة، ونقد التصور المغلوط، لمن الخير الأسمى، وعدم التشكيك في الإرث والبنية الاقتصادية لها، فالمفارقة الناتجة عن انشطار الحقائق، لا يدرك المتغيرات الناتجة عن النخب المالية أو المستثمرة، والتي بصدد الاشتغال بكل خصائصها، ولن تكون أبعد من المطابقة لكل الأثرياء في العالم، ومستخلصة من المشهد العام الذي حدد نمط كيان الأشياء، وأوجز السيّر في مسؤولية النتائج المادية والتجارية. وفي قرن التكنولوجيا فائض من العلوم والتقنيات، فالعالم لم يعد تحت سقف الإدارة والاستعمار الموحد، والأسر النخبوية التي تدير الثروات والناس، عصر العولمة كان مسلك معبد، سارت فيه كل القوى البشرية تحت معيار ثابت أساسه الاقتصاد والتبادل الرمزي ومعايير التنافس التقني و ألمعلوماتي، والتعاقد والتشارك والصفقات والسوق العالمي، انطلقت المصالح ومقاييسها واحتياطها ووظائف العملة والخيرات المادية، وتجلت المجتمعات الأكثر حداثة، وبدأ عصر الشغل بين الحرية والاستلاب في النظام الرأسمالي. وأصبحت الثقافة كونية عامة تتشارك مع العالم في الجذع المشترك، ومدخلاً أساسياً للسياسة المعاصرة ومهام تعاقدية يكتنفها الغموض أحايين كثيرة. وعلى التاريخ القيام بصياغة جديدة في ظل المؤثرات والمتغيرات، تدوين معنى الحداثة مع الاحتفاظ بالأصالة، لكل دور عظيم مر عبر السنين، ونضيف آلية دور النخب في تشكيل خارطة المجتمعات في العالم، وحفظ الألقاب والدور الريادي في كسب ثقة الناس مع مراعاة قوانين العدل والإنصاف في كل شيء، وحجته التعاقدية وقيمتها في التناسق النفعي الذي يعود على الجميع بالفائدة.
مشاركة :