روسيا.. إذا لم تستحي فانْقُضي ما شئتِ

  • 5/5/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قد لا تجد الكلمات المناسبة لتعبر بها عما يحدث للعالم العربي من تشرذمٍ وتفكك، وقد تقف مندهشاً لطريقة تعامل المنتظم الدولي مع أي شيء يرتبط بالحق العربي، فلا هذا أنصفنا واعترف بحقوقنا، ولا نحن قدّرنا بعضنا واحترمنا جوارنا، وآمنا بتاريخنا، وَوَعينا العلاقة الخاصة التي تُؤلّف بين أوطاننا، وقد يكون ذلك هو السبب الحقيقي من وراء النظرة الدّونية التي بات المنتظم الدولي ينظرُ بها إلينا، ربما لإرثنا التاريخي الذي طُبِعَ في حقبةٍ من الحقب ببعض الإشعاع، وما زلنا إلى اليوم ندفع ثمنه غالياً، ربما لحجم الأطماع التي استهدفتنا على مَرّ التاريخ فلم نسلم من الاستعمار والاستغلال بكل أوجهه، وأصبح تجاوز الخطوط الحمراء في حقنا أمراً هيناً لا يحتاج لتفكيرٍ عميق. من الواضح بعد تجاربنا الطويلة نحن الدول العربية، وخبراتنا المتراكمة لعقود، أن كلمة المنتظم الدولي ليست سوى مسرحية سيئة الإخراج، يُدير مشاهدَها عددٌ من أقطاب العالم لخدمة مصالحهم والتحكّم في مقدرات العالم، فلجأوا لهذه الحيلة المسماة الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، وما إلى ذلك من المسميات الرنّانة، بنية إضفاء نوع من المصداقية على مخططاتهم الإمبريالية، ولتغطية جرائمهم الدولية، ولكي يوحوا بها إلى العالم أنهم رعاةُ الأمن والسلام، خصوصاً ونحن نعلم الظروف التاريخية المُنْشِئة لهذه الهيئات بعد الحرب العالمية الثانية، وكيف أن المنتصر فيها هو من يحدد اليوم قواعد اللعبة، فأن تمتلك دول بعينها سلاحاً سحرياً يُدعى بحقّ الفيتو أو حق النقض، ليس له سوى أن يُؤكد هذه الأطروحات المُغيّبة، فتستعمله كيف ومتى تشاء؛ لتوقف به إرادة الكرة الأرضية برُمّتها، ولا يستطيع أحدٌ أن يعاتبها ما دامت تتمتّع بهذا الامتياز، ومهما ارتُكبتْ من جرائم وانتهاكات ضد الإنسانية أو تجاوزات للقانون الدولي، لا يمكن لأي طرفٍ أن يُوجّه لمرتكبيها إدانة، فضلاً عن أن يُحاسبهم أو يُعاقبهم بشيء ما دام يتعارض مع مصالح إحدى الدول الخمس الكبرى المالكة لحق الفيتو، وما معنى أن تستخدمه روسيا ثماني مرات منذ أن رأت الثورة السورية النور، وجميعها كانت ضد الإنسان السوري المغلوب على أمره المكلوم في أهله ووطنه، لصالح شخصٍ واحدٍ يمثل امتداداً لتحالف بين دمشق وموسكو ليس لسواد عيون الأسد، بل لإزعاج الولايات المتحدة الأميركية وإقناعها بأن روسيا لا تزال قوة عظمى لا يُستهان بها في العالم، تتحكّمُ في مصائر الشعوب، وتعيد رسم حدود الدول مثلما تفعل بالضبط منافستُها دولة العم سام. ما معنى أن يمنحَ الفيتو الضوءَ الأخضرَ لنظام الأسد؛ لكي يُمارسَ هواية التّقتيل والتنكيل بشعبه، ما دام يُكنُّ فروض الطاعة والولاء للدب الروسي؟ وما معنى أن يُسْتخدَمَ حقُّ النقض هذا حتى وإن لجأ الأسدُ للسلاح الكيماوي المحرَّم دولياً؟ هذا السلاح الذي طالما اعْتُبرَ التخمين في امتلاكه جريمة لا تُغتفر، تؤدي بصاحبها إلى الهلاك بل والمسح من خريطة العالم، لكن عندما يتعلق الأمر بسوريا فالخطوط الحمراء تصبح كلها خضراء، ونبرة التهديد تنقلب إلى كلام معسول وتطييب للخواطر، ولا يُعتبر الكيماوي في هذه الحالة من أسلحة الدمار الشامل، بل يُنْظرُ إليه كمجرَّد مُبيد للحشرات ليس له من تأثير ضار على الإنسان، وماذا سيكون يا ترى ردُّ فعل روسيا لو أُسقِطتْ عليها قنابل نووية أتتْ على الأخضر واليابس فيها وتجرّعت من نفس الكأس، وكان الضحايا هذه المرة من مُواطنيها؟ هل سيجدُ الكلامُ السياسي الموزونُ سبيلَهُ إلى الموقف الرسمي الروسي؟ وهل ستتعامل موسكو مع الوضعية بنفس برودة الأعصاب المستفزة كما تتعامل بها مع ضحايا الأزمة السورية؟ وما مَحلُّ الديمقراطية من الإعراب التي صدعوا بها رؤوسنا؟ يبدو أننا لم نفهمِ الدرس جيداً، إنهم يقصدون ديمقراطيتَهُم هم وليس تلك التي لم يُكتبْ لها الوجودُ بعدُ في بلداننا العربية، فلا نصيبَ للدول المتهالكة أمثالنا من كعكتها، ولا حاجة لنا بها سوى في مقرراتنا الدراسية وجدالاتنا البينية في الشوارع والمقاهي، وهُمُ الآن بلا شكّ، بصدد البحث عن تعريفٍ مُنقّحٍ لمصطلح "الديمقراطية" يتلاءم ومقاييسنا الفريدة. إلى متى سيظل الفيتو جاثماً على صدورِ وأشلاءِ السوريين؟ وإلى متى ستبقى هذه المسرحية التافهة تتحّكمُ فينا وتُنوّمُنا تنويما مغناطيسياً يجعلُنا نطبّل ونُزمّر للديمقراطيات الغربية دونما شعور، رغم ما يُمارَس ضدنا من تمييزٍ وسلبٍ للحقوق، فهل كل هذه المعاناة التي يُكابدها السوريون منذ ما يزيد عن ست سنوات لم تصل بعد إلى الحد الذي تزحزح فيه ولو شعرة واحدة من رأس المنتظم الدولي، بحيث تدفعُهُ لاتّخاذ قرارات حاسمة تنهي المأساة وتضمّدُ الجراح الغائرة؟ أليس كل هذه المجازر والبراميل المتفجرة والبكاء والعويل والأشلاء هي في حق آدميين مثلهم مثل أي مواطنين عاديين من أي جنسيات كانوا؟ أوَصَلَتْ الأطماعُ الدوليةُ لسيادة العالم إلى هذه الدرجة من الوحشية والقساوة وانعدام الضمير الإنساني؟ هل حقّاً اسْتَعْصت القضية السورية على الحلّ؟ في حين تُحلُّ معضلات أكثر تعقيداً في رمشة عين فقط وبكل بساطة؛ لأن هناك إرادة جادة لحلّها، كيف نجحت الدول العظمى في إيهام العالم أنها داعمة لحرية الشعوب وحاجتها للديمقراطية بينما تتعامل مع الإنسان وكأنه حقلُ تجارب تُجرّبُ فيه أحدث الأسلحة المدمرة بل ويُقصفُ بأمِّ القنابل الأقوى فتكاً على وجه الأرض؟! كيف نَفْتقدُ للفطنةِ وللوعي السياسي في مثل هذه الظروف المكشوفة ونُواصلُ انبهارنا بالغرب دون أن نحسمَ في كونه لا يعترف بوُجودنا بل ويعتبرنا سرطاناً لا بد من اسْتئصاله؟ لماذا نستمرُّ في لعب دور الضحية ونحن نعلمُ جيداً أن دورنا حقيقيٌّ وليس مجرد تمثيل؟ وأن الدّم المهرق اليوم في كل مكان هو دَمُنَا، يتمّ تسويقُه كفيلم سينمائي يريدُ مُنتجوه رفعَ مستوى التشويق فيه لكسب أكبر عدد من المتابعين، وبالتالي تحقيق مكاسب أعلى. لماذا تأخذُ المفاوضات أياماً بل شهوراً من السفريات المكوكية، والحوارات الساخنة، والوعود والمزايدات والمأدبات في نفس اللحظة التي يُبادُ فيها الشعب السوري مع كل اجتماع، وتُقصفُ طوابيرُ الخبز مع كل سفرية، وتُدمَّرُ المستشفيات أو ما تبقى منها مع كل وعدٍ بالهدنة، وعندما يجتمعُ الحضور أخيراً تحت سقف الأمم المتحدة، ويُدلي كل طرفٍ بدلوه محتشماً متردّداً خوفاً من تعكير مزاج جهة ما! تنهي روسيا فجأة كل هذه المعاناة، وتختصر كل هذه الجهود، فيَرفعُ مندوبُها يدَهُ معلناً استخدامَ حق النقض الفيتو ضد أي قرار يُشتم من رائحته توجيه أصابع الاتهام للنظام السوري، ومباشرة بعد انتهاء أشغال الجلسة وانصراف المندوبين إلى ما لذَّ وطاب من موائد الطعام والشراب، يرتفعُ منسوب الدماء السورية في نفس اللحظة التي يملأ فيها هؤلاء الممثلون بطونهم، ويتضاعف عدد البراميل المتفجرة بنفس قدر براميل المشروبات الموزعة عليهم، وتُفتحُ شهيّة النظام السوري للقتل مثلما تُفتح شهيتهم للأكل بعد اجتماع مضنٍ ومثمرٍ كهذا. والشعب السوري بقُدرة قادر، ستَهزمُ عزيمتُه كل هذا الطغيان؛ لأن حريته أكبر من الفيتو وأكبر من حجم دسائسهم ومكائدهم، فلا بد للسّحرِ يوماً أن ينقلب على الساحر، وكما قال الشاعر أبو القاسم الشابي: لا بُدَّ لليل أن ينجلي ** ولا بد للقيد أن ينكسر وإلى ذاك المُراد.. إذا لم تستحي يا روسيا فانْقُضي ما شئتِ. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :