فاز حزب «جبهة التحرير الوطني» الحاكم في الجزائر وحلفاؤه الرئيسون بغالبية في انتخابات برلمانية هيمنت عليها الأزمة المالية نتيجة هبوط أسعار النفط وشكوك حول حال الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الصحية. وأعلنت وزارة الداخلية النتائج وقالت إن نسبة الإقبال بلغت 38.25 في المئة وهو ما يعكس اعتقاد الكثير من الجزائريين بأن برلماناً ضعيفاً لن يستطيع إحداث تغيير لنظام يهيمن عليه حزب «جبهة التحرير الوطني» منذ الاستقلال في العام 1962. وفي 2012 بلغت نسبة المشاركة 43 في المئة. وترجع جذور حزب «جبهة التحرير الوطني» إلى الحرب ضد الاستعمار الفرنسي. وقالت وزارة الداخلية إنه حصل على 164 مقعداً في «المجلس الشعبي الوطني» (البرلمان) المكون من 462 مقعداً أما حزب «التجمع الوطني الديموقراطي» فحصل على 97 مقعداً. ونال تحالف إسلامي معتدل بقيادة حزب «حركة مجتمع السلم» والائتلاف المؤيد للحكومة 33 مقعداً في البرلمان. وكان الجزائريون صوتوا أمس (الخميس) لانتخاب برلمان جديد في وقت تسعى الحكومة إلى تخطي الأثر الاقتصادي لانخفاض أسعار النفط العالمية. وكان من المتوقع على نطاق واسع أن يحقق حزب «جبهة التحرير الوطني» وحزب «التجمع الوطني الديموقراطي» الموالي للحكومة فوزاً في مواجهة معارضة ضعيفة منقسمة تضم يساريين وإسلاميين. وقال مراد سعدي (49 سنة) وهو بائع لمنتجات نظافة قبل إدلائه بصوته في مدرسة وسط الجزائر العاصمة، حيث توجه الناخبون من كبار السن والعائلات مبكراً، «عليك أن تدلي بصوتك. لا يمكن أن تترك صندوق الاقتراع خالياً». ولـ «المجلس الشعبي الوطني» المؤلف من 462 مقعداً سلطات محدودة في النظام الرئاسي وتمتد فترة عمل المجلس خمس سنوات. ويتيح دستور جديد للبرلمان أن تكون له كلمة في تسمية رئيس الوزراء، غير أن منتقديه لا يرونه إلا أداة للتصديق على القرارات الصادرة من الرئاسة. وفي انتخابات 2012 حصل حزب «جبهة التحرير الوطني» على 221 مقعداً وحزب «التجمع الوطني الديموقراطي» على 70 مقعداً مع تحبيذ الناخبين للأمان والاستقرار في أعقاب انتفاضات «الربيع العربي» في تونس ومصر وليبيا في 2011. لكن الإقبال لم يتجاوز 43 في المئة. ومن المقرر أن تعلن وزارة الداخلية نتائج الانتخابات الحالية صباح غد. ويلقى بوتفليقة، الذي يتولى السلطة منذ حوالى 20 عاماً، إشادة واسعة لنجاحه في انتشال البلاد من حرب دامت عشر سنوات في التسعينات مع إسلاميين متشددين وأودت بحياة 200 ألف شخص وتركت شعوراً بعدم الاستقرار لا يزال سائداً بين كثيرين. ويروج مسؤولو الحكومة والأحزاب الحاكمة لفكرة الأمن والاستقرار وخصوصاً في ظل حال الفوضى التي تجتاح جارتهم ليبيا منذ الإطاحة بمعمر القذافي في 2011. وبوتفليقة، الذي شارك في حرب الاستقلال عن فرنسا، قاد البلاد خلال فترة شهدت ارتفاعاً في أسعار النفط ما ساعد في تمويل نظام ضخم للرعاية اجتماعية شمل طرح مساكن بأسعار رخيصة وبرامج لدعم الغذاء والوقود تمتد جذورها لعهد الاشتراكية الذي عاشته الجزائر بعد الاستقلال. وأصيب بوتفليقة بجلطة دماغية في 2013 وظل بأحد المستشفيات لأشهر عدة. ومنذ ذلك الحين لم يظهر إلا نادراً عبر صور يبثها التلفزيون أثناء تحيته لكبار الشخصيات. وأعيد انتخاب بوتفليقة في 2014 من دون حملة انتخابية وظهر على كرسي متحرك وهو يدلي بصوته في يوم الانتخابات. وتسبب إلغاء زيارة المستشارة الألمانية أنغيلا مركل في شباط (فبراير) في إحياء التكهنات في شأن الحال الصحية لبوتفليقة. ولم يظهر حتى الآن خليفة له من بين أنصاره. وفجوة بين الأجيال تستفيد «جبهة التحرير الوطني» و«التجمع الوطني الديموقراطي» من ارتباطهما ببوتفليقة وبالإنفاق الحكومي العام لتعزيز وضعهما في الانتخابات. ويستفيد الحزبان من ضعف الإقبال إذ من المتوقع أن يكون معظم الناخبين من أنصارهما من كبار السن والعاملين بالقطاع العام والقوات المسلحة. وللحزب الحاكم أيضاً آلة حزبية قوية في المناطق الريفية. ولا يزال كثير من الجزائريين يرون في بوتفليقة رمزاً للاستقرار لكن أكثر من نصف السكان من الشبان الذين لم يتجاوزوا الـ 30 ويقول كثير منهم إنه لا تربطهم صلة قوية بما يتردد عن تاريخ الزعامة المخضرمة في البلاد. ومع هيمنة الدولة إلى حد كبير على الاقتصاد يشكو كثير من الشبان من قلة الفرص المتاحة أمامهم. وقال طالب في وسط الجزائر العاصمة «لخمس سنوات لم نر نواباً ولا نملك حق الحديث معهم ثم يطلبون منا التصويت؟ لماذا نصوت؟». وفجر انهيار أسعار النفط في منتصف 2014 تحديات جديدة لاقتصاد لا تزال الدولة تدير الجانب الأكبر منه ويعتمد على إيرادات الطاقة في تغطية 60 في المئة من موازنته ويعول على الواردات نظراً لضعف الإنتاج خارج قطاعات الطاقة. واضطرت الحكومة إلى خفض الإنفاق وبدأت مهمة حساسة تتمثل في إصلاح نظام دعم أسعار الوقود والكهرباء مع انخفاض الدخل إذ تراجعت إيرادات شركة «سوناطراك» النفطية الحكومية إلى 27.5 بليون دولار في 2016 من 60 بليوناً في 2014. ويقول مسؤولو الحكومة إن لديهم رغبة في إصلاح نظام الدعم المكلف لكنهم يتعهدون الإبقاء على المزايا الرئيسة التي ساعدت الجزائر على تخطي توترات اجتماعية في الماضي ومنها ما وقع أثناء انتفاضات «الربيع العربي» في 2011.
مشاركة :