قبل ساعات من موعد الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة الفرنسية، لا يزال المشهد السياسي الفرنسي، في حالة «ترقب وقلق » لحقبة سياسية جديدة في الجمهورية الخامسة، بين الانفتاح والتعصب .. العولمة والقومية ..التفاؤل والكراهية .. الأمل والخوف .. وبحسب تقرير صحيفة “الأوبزرفر” البريطانية، فإن الفرنسيين يواجهون اختيارا بين المرشحة «غير المقبول»، وغريمها «غير مستساغ».. ونقلت الصحيفة عن المحلل السياسى الفرنسى جان إيفى كامو، الخبير فى شئون اليمين المتطرف، قوله إن الاختيار فى انتخابات الإعادة هو اختيار الحضارة، وليس اختيار بين برنامجين مختلفين أو بين شخصين مختلفين سياسيًا، بل هو خيار بين بلدين مختلفين وهو ما يجعل الكثير على المحك. مخاوف «شبح الفاشية الجديدة» ورغم هواجس الخوف، داخل فرنسا، وداخل القارة الأوروبية، من «شبح الفاشية الجديدة » بحسب وصف الدوائر السياسية الغربية، إلا أن مرشحة اليمين المتطرف، ماريان لوبان، لا تزال بإمكانها تحقيق مفاجأت وحسم مقعد الرئاسة لصالحها فى الوقت الذى تسود فيه دوائر النخب الفرنسية والأوروبية على حد سواء مخاوف من احتمالات فوزها لما تتبناه من خطاب معادى للأقليات داخل فرنسا، ويدعو لخروج عاجل من عضوية الاتحاد الأوروبى وإلغاء ما يرتبط به من اتفاقيات تجارية وأمنية واجراءات سفر. توقعات حذرة بـفوز «ماريان لوبن» ومع المخاوف الأوروبية، والقلق الفرنسي، توقعت صحيفة «واشنطن بوست» أن تحصد «لوبن» أصوات أكثر فى الجولة الثانية غدا الأحد، موضحة أنه على الرغم من أنها حلت فى المركز الثانى خلف «ماكرون» إلا أنه لا يمكن استبعاد فوزها، خاصة وأن حملة التشويه التى تستهدف ماكرون حاليا ــ المدعومة من الروس واليمين والمؤيدين للرئيس الأمريكى دونالد ترامب ــ سيكون لا مثيل لها فى الشراسة. ورأت الصحيفة أن الذين صوتوا لصالح المرشح جان لوك ميلانشون، متعاطفين مع مواقف لوبن بشأن التجارة الدولية والمصارف، كما أن الذين صوتوا لصالح المرشح فرانسوا فيون، يفضلون تفاخرها بتأييد «القيم التقليدية» حقبة جديدة .. مع غياب الأحزاب الرئيسية ويرى مراقبون ومحللون سياسيون في باريس، أن نتيجة الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية، أحدثت سابقة سياسية فى تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة تدشن لحقبة جديدة؛ فلأول مرة تغيب الأحزاب الرئيسية منذ عدة عقود، عن جولة الإعادة.. وأن فرنسا بعد الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية أصبحت أول دولة غربية كبرى تتخلى فى انتخابات كبرى عن يمين الوسط ويسار الوسط اللذين يمثلان الهيكل السياسى الذى سيطر على السياسة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية. أجندة الانتخابات الفرنسية الانقسام السياسى الجديد فى فرنسا لا يدور حول الاقتصاد على الإطلاق، بل إنه حول رؤى مختلفة لهوية البلاد.. فمرشحة اليمين المتطرف « لوبن» تريد خروج فرنسا من مؤسسات دولية، بما فى ذلك الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلسى «الناتو»، وإغلاق الحدود، وفرض اقتصاد شبه ماركسى تهيمن عليه الدولة..وعلى الجانب الآخر، فإن «ماكرون» يمثل تيارًا جديدًا (حركة إلى الأمام) وعلى الرغم من أنه كان وزيرًا فى حكومة اشتراكية، إلا أنه يتقبل اقتصاد السوق، لكنه يشدد أيضا على إيمانه بالتضامن الجماعى.. مما يشير إلى أن انتخابات فرنسا لها أجندة واضحة تتلخص فى أنها ستشهد مواجهة بين : الانفتاح والانغلاق.. والاندماج والعزلة.. المستقبل والماضى. فرنسا على مسار سياسي جديد ومن جانبها، ذكرت صحيفة «جارديان» البريطانية، أنه للمرة الأولى فى تاريخ الجمهورية الخامسة فى فرنسا والذى يعود إلى ما يقرب من 60 عاما، يخوض مرشحان من خارج حزبى اليسار واليمين الجولة الثانية من الانتخابات، معتبرة أن هزيمة مرشحا الحزبين الاشتراكى والجمهورى بمثابة إهانة لسياسة الحزبين، ومؤكدة أن الناخبين الفرنسيين قاموا بقطيعة جريئة مع الماضى.. وأيا كان المرشح الفائز فى الجولة الثانية (لوبن أو ماكرون)، فإن فرنسا على مسار سياسى جديد، مع انعكاسات كبيرة على نفسها وعلى بقية أوروبا.. وأن كلا من ماكرون ولوبن يتفقان على شىء واحد، وهو أن تنافسهما فى جولة الإعادة دليل على أن السياسة الفرنسية قد دخلت حقبة جديدة، تتسم بانهيار الأحزاب الرئيسية التى تتقاسم السلطة طيلة الأربعة عقود الماضية. «إيمانويل ماكرون.. موزارت في الإليزيه» من الملاحظ دعم الدوائر السياسية «الرسمية» والحزبية ،ومراكز الدراسات والأبحاث في الغرب، للمرشح المستقل إيمانويل ماكرون.. وبادرت الصحف الغربية بتوقعاتها تحت عنوان «إيمانويل ماكرون.. موزارت في الإليزيه» في إشارة إلى ولع ماكرون بالعزف على آلة البيانو، التي حاز فيها على جائزة محلية.. وتتوقع أن يفوز ماكرون فى الجولة الثانية بفضل ناخبى يمين الوسط وناخبى اليسار الملتزمين بمنع وصول لوبن إلى السلطة. صعوبة جولة الإعادة ويرى خبراء سياسييون في برلين، أن تقارب نسب التصويت في الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية، يشير إلى أن جولة الإعادة مع لوبن لن تكون سهلة، وأنه حتى لو فاز ماكرون بالرئاسة سيظل الوقت مبكرا جدا ليتنفس الاتحاد الأوروبى الصعداء «لقدوم منقذه»، على حد تعبيرهم .. وسيكون ماكرون بحاجة إلى أغلبية قوية فى البرلمان لتمرير التعديلات التى يعد بها، بينما لا يملك حاليا إلا (حركة إلى الأمام) وهى غير ممثلة بأى نائب فى البرلمان.. وهي حركة مكونة من خليط سياسى بخلفيات وقناعات مختلفة، وبالتالى حتى لو حصل على أغلبية برلمانية، وهو أمر يستبعده مراقبون، فإن تصويتهم قد لا يتوافق دوما مع رغبته.. بينما لو هزمت «لوبن » فى الجولة الثانية، فإن حزبها حزب الجبهة الوطنية (يمين متطرف) لا يزال على وشك تقدم تاريخى فى الانتخابات البرلمانية المقررة فى يونيو المقبل، مؤكدة أن تهديد اليمين المتطرف الفرنسى لم ينته بعد. شارك هذا الموضوع:اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)
مشاركة :