نظرية أوتار الجيتار في الركود

  • 5/7/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

د. عبدالعظيم محمود حنفي * أظهرت مؤشرات الربع الأول تعافي معظم الاقتصادات المتقدمة، بعد تأخر نسبي، حيث يذهب بعض خبراء الاقتصاد إلى أن الأوقات العصيبة التي عصفت بالولايات المتحدة ومنطقة اليورو أثناء «الركود الكبير» عام 2008 كان يفترض أن تعقبها فترات تعاف سريعة، فيما أسماه ميلتون فريدمان، الاقتصادي الحائز جائزة نوبل، نظرية «أوتار الجيتار». ويرى فريدمان أنك إذا جذبت وتر الجيتار إلى أسفل ثم أطلقته، فإنه يرتد على الفور إلى موقعه، وكلما جذبته أكثر إلى أسفل زادت سرعة ارتداده إلى موقعه. غير أن الأداء الاقتصادي في كثير من الاقتصادات المتقدمة لم يتبع هذا المنوال منذ «الركود الكبير». وإنما جاء التعافي ضعيفاً وبطيئاً على نحو مثير للإحباط في أعقاب فترات الركود العميق التي عانتها هذه الاقتصادات. وكأن هناك من جذب وتر الجيتار بقوة إلى أسفل حتى انقطع. فما الذي جعل التعافي بطيئاً لهذه الدرجة؟ يرى البعض أن التعافي في أعقاب الأزمات المالية غالباً ما يكون بطيئاً لأن تبعات الأزمة - من إصلاح الخلل في الميزانيات العمومية، وضعف التوسع الائتماني، واستمرار المشكلات في أسواق المساكن - قد ألقت بأعبائها على النشاط، ولهذا الرأي قيمته، بالنظر إلى التجارب التاريخية. لكن هناك من طرح نظرية أن التعافي الحالي يختلف من جانب واحد مهم على الأقل عن فترات التعافي السابقة - سواء كانت مقترنة بأزمات مالية أم لا. فقد سادت فترة التعافي الحالية موجات عالية من عدم اليقين، الأمر الذي يقدم تفسيراً إضافياً لضعف التعافي، ما يؤكد دور أجواء عدم اليقين على مستوى الاقتصاد الكلي. حيث ظل عدم اليقين سائداً في دوائر الأعمال بشأن المناخ المالي والتنظيمي في الولايات المتحدة وأوروبا، وكانت هذه المخاوف من المستقبل المجهول هي على الأرجح من العوامل التي أدت إلى تأجيل أي استثمارات أو توظيف للعمالة. ويتضح هذا الأمر بالتفصيل في الدراسة المسحية التي أجراها «الاتحاد الوطني لاقتصاديات الأعمال» في الولايات المتحدة، حيث خلصت إلى أن هناك «أغلبية ساحقة» من مجموعة مؤلفة من 226 خبيراً اقتصادياً في مجال الأعمال، ترى أن أجواء عدم اليقين المحيطة بسياسة المالية العامة تقيد وتيرة التعافي الاقتصادي. ويشير عدم اليقين الاقتصادي إلى المناخ الذي يسود فيه عدم الدراية أو قلة الدراية بالوضع المستقبلي للاقتصاد. وهناك مصادر عديدة لعدم اليقين الاقتصادي، ومنها التغييرات في السياسات الاقتصادية والمالية، واختلاف وجهات النظر بشأن آفاق النمو، وتحركات الإنتاجية، والحروب، والأعمال الإرهابية، والكوارث الطبيعية. وعادة ما يتم استخدام أربعة مقاييس على مستوى الاقتصاد الكلي تستند إلى تقلبات عوائد الأسهم والسياسة الاقتصادية.والمقياس الأول هو مقدار الانحراف المعياري الشهري لعائدات الأسهم اليومية في كل من الاقتصادات المتقدمة وهو يرصد أوجه عدم اليقين المقترنة بأرباح الشركات والثاني هو مؤشر بورصة شيكاغو لعقود الخيار (vxo) وهو مؤشر للتقلب الضمني في أسعار الأسهم المحسوبة من خيارات مؤشر ستاندرد آند بورز 100.ويشير الثالث إلى عدم اليقين الذي يكتنف السياسات الاقتصادية ومنطقة اليورو وهو متوسط مرجح للمؤشرات الثلاثة مدى تواتر استخدام وسائل الإعلام لمصطلحات السياسة الاقتصادية وعدم اليقين معاً وعدد الأحكام الضريبية التي سينتهي العمل بها في السنوات القادمة والتباين في تنبؤات المصروفات الحكومية ومعدلات التضخم في المستقبل.أما المقياس الرابع الذي يمثل عدم اليقين على المستوى العالمي فيرصد التحركات الشائعة في المقياس الأول باستخدام بيانات أهم ستة اقتصادات متقدمة لديها أطول سلاسل بيانات متاحة وهي ألمانيا وإيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة واليابان. غير أن هناك صعوبة في تحديد اتجاه العلاقة السببية بين عدم اليقين والدورة الاقتصادية. هل يؤدي عدم اليقين إلى فترات الركود أم أن فترات الركود هي التي تؤدي إلى عدم اليقين؟ ورغم صعوبة التوصل إلى جواب مؤكد على هذا التساؤل، فإن النظريات الاقتصادية تشير إلى أن هناك قنوات واضحة يمكن لأجواء عدم اليقين أن تؤثر من خلالها تأثيراً سلبياً في النشاط الاقتصادي. ويبدو أن درجة عدم اليقين الاقتصادي مرتبطة أيضاً بعمق فترات الركود وقوة فترات التعافي. وعلى وجه التحديد، يلاحظ أن فترات الركود التي تقترن بارتفاع درجة عدم اليقين غالباً ما تكون أعمق من فترات الركود الأخرى. وبالمثل، فإن فترات التعافي التي تتزامن مع فترات مشوبة بارتفاع درجة عدم اليقين تكون أضعف من فترات التعافي الأخرى. * باحث وأكاديمي مصري

مشاركة :