حسن البيان في كلام محمد بن سلمان

  • 5/7/2017
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

تاريخ الأمة مليء بالانتصارات، وازدهار الحضارات، وما علا شأنها وذاع صيتها في زمن من الأزمنة، إلا كان وراء ذلك الظهور قائد موفق ومن الله مسدد، أخذ بزمام أمورها، فأعد جيشها وغرس فيه صدق الانتماء، وإخلاص الولاء، ونمّى اقتصادها.. لم أكن مستغربًا حين هلّ بتواضعه، يوجِز في دقائق معدودة وبأسلوب أخّاذ، وبكلماتٍ تجد في القلب موضعها قبل الأذن، ما أسهب الآخرون في تقريره وتوضيحه، فأبان محاور الرؤية بلسان البلغاء، وكشف للسامع خفايا إيجابياتها بلسان الخبراء، فكم سمعنا في أثناء حديثه من مصطلحات، يدرك بعلو كعب قائلها النجباء، ولست هنا بصدد تحليل كلامه، اقتصاديًا، أو سياسيًا، أو فقهيًا، أو، أو.. إلخ، فقد تابع حديثه القاصي والداني، وكلٌ سيدلي بدلوه، ولكل مقام مقال! ولست أيضًا مطلقًا لفضول المدح عنانه -ولو فعلت لكان مستساغًا- فالمدح في موضعه من الحق الذي يحسن بنا مقاله، ولكني أنبه القارئ ومن بلغت كلماتي أذنيه مبشرًا ومذكرًا؛ مبشرًا بعهد جديد قائم على استراتيجيات مدروسة، وبخطط بعيدة الأمد، توفر على الأجيال القادمة تجشم وضع خطط ودراسات، تأخذ وقتهم وجهدهم، فبناء الأوطان ونهضتها وتطورها، لا يكون إلا تكامليًا، وكل جيل يكمل من حيث وصل أسلافه، ومذكرًا بالحق الملقى على عواتقنا من وجوب العون والمؤازرة والمناصحة، حين يتولى البلاد، مَن لم يكتف بحسن النية، بل أضاف إليها حسن المعرفة، وبعد النظر، ومرونة في القيادة، وقبل ذلك كله نحسبه والله حسيبه، حريصًا على أن يكون ذلك كله، موافقًا لما يأمر به ديننا. رأيت في لقاء ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، شيئًا ينبئ عن شفافية في الطرح، بعيدًا عن منحنى التكلف والتعمية، يظهر ذلك جليّاً من خلال أسئلة داود الشريان، وإجابات ولي ولي العهد، التي لم يظهر عليها "صناعة كواليس" فكانت تلقائية، بعيدة عن التحفظ المكشوف، وهذا ما يفتقده المُشاهد في مواطن كثيرة. وإن كان هناك من لم يعجبه ما قيل، ولا يعجبه ما يقال، ولن يعجبه ما سيقال، فإن الحديث ليس معهم، ولا لهم، بل هو للمنصف، والمتفائل، والحريص على التطور، والتغيير للأفضل! ولست إلا معبراً عما جال في خاطري، ومسجلاً إعجابي بفكرة التحدث بذاتها، ومناقشة ما يطرح، وليس شرطاً أن يقتنع كل الناس، بما تحمله من أفكار، أو تحاول تحقيقه من إنجاز، فهذا مستحيل، والعبرة بصدق النية، وجدية السير، وتصحيح المسار متى وجد الخطأ، أو انحرفت الوجهة، وهذا ما أظنه قد تحقق في اللقاء، دون الدخول في التفاصيل. إن تاريخ الأمة مليء بالانتصارات، وازدهار الحضارات، وما علا شأنها وذاع صيتها في زمن من الأزمنة، إلا كان وراء ذلك الظهور قائد موفق ومن الله مسدد، أخذ بزمام أمورها، فأعد جيشها وغرس فيه صدق الانتماء، وإخلاص الولاء، ونمّى اقتصادها بما يجعلها في مصاف المعطي، الذي احتاج الآخرون لعطائه وإنتاجه، وفتح لأهلها باب العمل ليكون كل فرد من أفراد شعبه قد استغنى بالله عن غيره، واستقوى بمجهوده عن الاستنجاد بالناس أعطوه أو منعوه! وقد قال نبينا صلى الله عليه وآله: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف..." وليس هذا قاصرًا على قوة الإيمان، بل يشمل كل قوة يكتسبها المؤمن، بدنيًا، وعلميًا، واقتصاديًا، وعسكريًا، وسياسيًا، فكل ذلك من "القوة" التي أمر الله بها في كتابه مجردة عن أل التعريف، لتشمل كل قوة، ومسبوقة بـ "من" الدالة على زيادة في التعميم والشمول (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) وهذا الأمر الذي خاطبت به الآية خطابًا جماعيًا بـ (أعدوا) و(ما استطعتم) هو بالدولة وولاة أمورها ألصق ما يكون، بعيدًا عن انحراف المفاهيم، التي تجعل من الآية منطلقًا لتكوين الجماعات الإجرامية، التي تجعل من تكفير الشعوب وحكامها هدفًا أساسيًا لوجودها. لقد جاء لقاء ولي ولي العهد ليكشف عن صفحة جديدة، لا تقبل إلا حبر البناء والتنمية، وليس فيها موضع يكتب فيه المفسدون، فإن الوضع الذي يليق بهم هو "المحاسبة" التي توعد بها ولي ولي العهد كل مفسد، وقد لا تتأتى تلك المحاسبة إلا بتضافر جهود الجميع، ويقظة المواطن بمعرفته أعمال الفساد. وقبل أن أودعك إلى مقال قادم أضع أحرف التفاؤل والدعاء، فقد بانت لنا من خلال هذا اللقاء الطريق للمضي نحو البناء والتنمية، فقيادتنا تتصف بحكمة الشيخ في مليكها، ورباطة جأش الرجولة في ولي عهده، وهمة الشباب في ولاية ولاية العهد، فليس علينا إلا تشمير السواعد والابتهال إلى الله تعالى بالتوفيق والسداد لهذه البلاد قيادة وشعبًا. هذا، والله من وراء القصد.

مشاركة :