المتابع لإصدارات الصكوك القادمة من البنوك الخليجية يلاحظ أن معظمها موجهة نحو دعم القاعدة الرأسمالية (capital-boosting sukuk) للبنوك وذلك وفق متطلبات بازل 3. وهذه الإصدارات تختلف عن الصكوك العادية التي هي في النهاية دين. نقول ذلك لأن «الصكوك الممتثلة لبازل» تعتبر، بحسب نوعية الهيكلة، تمويلاً رأسمالياً (أقرب للأسهم) وليس ديناً. بل يعني أن حملة الصكوك قد ينقذون البنك من الإفلاس ويتلقون الصدمة بدل من أن تتدخل الحكومات لإنقاذ بنوكها. مما لا شك فيه أن هذا النوع من الإصدارات سيخفف الضغوط على البنوك التي قد تجد صعوبة في جمع رؤوس أموال من إصدار أسهم إضافية. محتوى هذه الزاوية معقد بعض الشيء لغير المتخصصين، ولذلك سنحاول تبسيط العرض قدر المستطاع من أجل أن تعم الفائدة. لأن هذا التخصص جديد، فقد تعددت المصطلحات الرامية إلى نفس الشيء: --صكوك الشريحة الأولى من رأس المال (Additional Tier 1) --الصكوك التابعة لرأس المال التكميلي (Additional Tier 1) --صكوك ثانوية (subordinated) لتعزيز القاعدة الرأسمالية للبنك --صكوك رأس المال المساند للشريحة الثانية (Tier 2) --الصكوك الدائمة (perpetual) لذلك سنوحد المصطلحات أعلاه ونستخدم مصطلحاً واحداً (وهو الصكوك الممتثلة للقواعد الإرشادية لـ بازل 3 أو صكوك بازل). تعزيز نسب كفاية رأسمال البنك كلما قلَّت نسبة كفاية رأس المال عن 6 % يصبح البنك في خطر. وهنا يأتي دور «المكونات» من الأدوات الاستثمارية التابعة لرأس المال الأساس والتكميلي لإيقاف أي خسائر محتملة. وهذه «المكونات» تشتمل على الأدوات الهجينة والثانوية. بعبارة أخرى، رأس المال الأساسي (Tier 1) يتكون من أسهم الملكية (خط الدفاع الأول نحو امتصاص الخسائر) وكذلك الشريحة الأولى (خط الدفاع الثاني). وهناك عبارة ملازمة لهذا النوع من رأس المال وهي (going-concern capital) تعني أن الأدوات التي ذكرناها والتي تنضوي تحت رأس المال الأساسي (من أسهم عادية وصكوك) تساهم جميعها في إطفاء أي خسائر وتمنع البنك من التعثر وتسمح له بالاستمرار. ويرافق رأس المال المساند الشريحة الثانية (Tier 2) عبارة ملازمة وهي (gone-concern) وتعني أن الأدوات الاستثمارية (من صكوك وأدوات هجينة الخ) المنضوية تحت مظلة الشريحة الثانية ستمتص الخسائر (خط الدفاع الثالث) التي لم تستطع أدوات رأس المال الأساسي والشريحة الأولى من إطفائها وتوصف هذه المرحلة كذلك بعدم استدامة البنك (non-viability). والغرض من الأدوات الاستثمارية هذه هي حماية المودعين والدائنين الرئيسيين. مميزات صكوك بازل --تمتص الخسائر وتحمي المودعين عبر تحويل قيمة الإصدار إلى أسهم عادية أو يتم استخدامها لإطفاء الخسائر (وبذلك يخسر المستثمرون بها). ولذلك تكون هناك علاوة سعرية مع هذه الإصدارات (بسبب المخاطر) مقارنة مع الصكوك العادية. وبسبب تلك المخاطر، قالت وكالة «رام» للتصنيف الائتماني، إنها ستمنح هذا النوع من الصكوك تصنيفاً ائتمانياً يقل بدرجة واحدة أو درجتين عن التصنيف الرئيسي للبنك. -- الإصدار دائم ليس له تاريخ استحقاق ويحق للبنك الاختيار بين سداد قيمة الصك بعد 5 سنوات من الإصدار --لا تعتبر البنوك صكوك بازل بمثابة «المطلوبات» (liability) بل تعتبرها من مكونات رأس المال --يملك البنك الحرية في وقف توزيعات الأرباح الدورية على المستثمرين ولا يعتبر ذلك تعثراً (مثل تصرف توزيعات الأسهم) موقف البنوك المركزية الخليجية تعتبر بنوك منطقة الخليج أول من تبنى صكوك بازل في 2012 عبر بنك أبوظبي الإسلامي. وللأسف أن البنوك المركزية الخليجية لم تواكب تلك المرحلة كما يجب وذلك عبر سن القواعد التنظيمية التي تيسر على البنوك الخليجية تبني هذا النوع من الهياكل بشكل أوسع. تلك الضبابية (حول الجانب التنظيمي) لم توقف إصدارات صكوك بازل من منطقة الخليج ولكن المحصلة النهائية كانت عبارة عن إصدارات داعمة لرأس مال البنوك ولكن بعض المستشارين القانونيين يرون أن بعض هذه الإصدارات في الحقيقة لا تمتثل لمتطلبات بازل 3. فجوات بصكوك بازل التي تم إصدارها أحد أسباب ذلك يعود إلى عدم وجود خاصية الـ(Trigger -event) أو تفعيل الحدث. بمعنى أن هذه الصكوك ستمتص الخسائر عبر تحويل قيمة الإصدار إلى أسهم عادية أو يتم استخدامها لإطفاء الخسائر. عملية «تفعيل الحدث» قد تكون تقديرية (بحسب ما يراه البنك المركزي عندما يرى ضرورة إطفاء الخسائر) أو تكون آلية (mechanical) (بمعنى أن الخسائر يتم إطفائها إذا القيمة الدفترية أو القيمة السوقية وصلت إلى رقم معين يتم تحديده مسبقاً). الخاصية الأخرى التي قد تكون مفقودة في مثل هذه الإصدارات هي أن الغرض الرئيسي من صكوك بازل هي امتصاص الخسائر قبل إعلان إفلاس البنك. ولهذا تنتفي الغاية من هذه الإصدارات في حالة اعتبار البنوك الخليجية المركزية أن صكوك بازل تعتبر مساوية (parri passu) لأدوات الدين الأخرى (مما يعني أنها لن تمتص الخسائر لعدم وجود خاصية تفعيل الحدث في مستندات الإصدار). الخاصية الأخرى المفقودة تتعلق بعقدي المشاركة والمضاربة التي تستخدم لدعم القاعدة الرأسمالية للبنوك. لاحظ أنه في الصكوك العادية لهذه الهياكل المذكورة سابقاً هناك تعهد بالشراء (يعني أن الجهة المصدرة تضمن إعادة رأس المال للمستثمرين) وبذلك لا يمكن لنا وصف هذه الإصدارات بصكوك بازل إذا لم تمتص الخسائر. الماليزيون وصلوا متأخرين ولكن كانت الرؤية لهم واضحة عبر بنكهم المركزي الذي ألزم البنوك على وجود خاصية امتصاص الخسائر بصكوك بازل. هياكل الصكوك التي يُنصح بها قام مجلس الخدمات المالية الإسلامية (IFSB) ،وهي هيئة دولية واضعة للمعايير، بخطوة جديرة بالإشادة. الخطوة تتمثل حول توجيه البنوك الإسلامية نحو هياكل صكوك تتواءم مع متطلبات بازل التي تستوجب امتصاص الخسائر. شرعياً، هناك ميل نحو تحويل صكوك بازل إلى أسهم عادية من أجل تحمل الخسارة (سواسيةً) مع المساهمين (الذين لديهم أيضاً أسهم عادية). وهناك أيضا تشجيع لذكر أرقام معينة بحيث يتم تفعيل خاصية «تفعيل الحدث» وذلك تجنباً للوقوع في الغرر. فيما يتعلق بالشريحة الأولى من رأس المال، فإن «المجلس» يرى أن صكوك بازل القائمة على عقد المشاركة هي الوحيدة المؤهلة من بين الهياكل الأخرى. والسبب في ذلك يعود لكون حملة الصكوك سيتشاركون مع المساهمين في محفظة أعمال البنك. وعليه فمن الطبيعي أن يتحملوا الخسائر والأرباح المرتبطة بأنشطة البنك. أما فيما يتعلق برأس المال المساند للشريحة الثانية، فإن «المجلس» ينصح بصكوك بازل القائمة على هيكل المضاربة أو الوكالة. ماذا عن البنوك السعودية للأمانة لا أملك أي تفاصيل عن صكوك بازل التي تصدرها البنوك السعودية لأنها ببساطة تطرح بشكل خاص وليس عاما، مما يعني أنه ليس من السهولة بمكان الإطلاع على نشرات الإصدار الخاصة بها. حبذا لو البنك المركزي (ساما) يقدم وجهة نظره حول هذه الصكوك. نقول ذلك لأننا لاحظنا في بعض الدول الخليجية أن البنوك تصدر صكوك بازل، في ظل الضبابية القادمة من البنوك المركزية ذات الصلة، ولكن عندما يتم النظر بتمعن بنشرات الإصدار يُلاحظ أن هذه الصكوك في الحقيقة لا تمتثل للمعايير الجديدة الخاصة ببازل ثلاثة وعليه فهي غير مؤهلة لتكون ضمن نسبة كفاية رأس المال الخاصة بالبنك.
مشاركة :