الفقر مؤنث في المجتمعات العربية بقلم: يمينة حمدي

  • 5/7/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

نساء يقمن بأدوار بطولية ومتعددة ويتحملن أحيانا أعباء شاقة من أجل إعالة أسرهن، وأغلب الأعمال التي يقمن بها تكون مستهلكة للوقت وغير مدفوعة الأجر، وتحد من قدرتهن على تعلم المهارات التي قد تساعدهن على تحسين وضعياتهن الاجتماعية، وهذا الأمر يؤدي إلى إدامة دورة المعاناة والفقر في صفوفهن. ويشكل عمل النساء المجاني أو مدفوع الأجر عاملا حاسما في بقاء الأسر الفقيرة على قيد الحياة، وعلى الرغم من ذلك تواجه النساء عقبات جمة في سبيل الحصول على وظائف، وغالبا ما يضطررن إلى قبول أعمال أقل جودة، ويعملن لساعات أطول مما يعمل الرجال، في حين يتحصلن على رواتب أقل. وخلص تقرير للمنتدى الاقتصادي الدولي إلى أن النساء يشتغلن بمعدل 39 يوما أكثر من الرجال في العام. وتشير البيانات في تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين، الذي أعده المنتدى الاقتصادي الدولي، إلى أن النساء يشتغلن بمعدل 50 دقيقة يوميا أكثر من الرجال. ويقول التقرير إن انتشار العمل غير مدفوع الأجر يثقل كاهل النساء، ويقدر أن جسر الفجوة بين الجنسين والقضاء على الجور الاقتصادي بينهما قد يستغرق 170 عاما.في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقع الفقر على كاهل النساء أكثر من وقعه على الرجال حتى في بعض دول الخليج التي تمتلك ثروات بترولية هائلة فيما كشفت بعض الإحصائيات الحديثة أن النساء العربيات لا يشكلن سوى 23 بالمئة من القوى العاملة، وتقل أجورهن على المستوى العالمي بنسبة 17 بالمئة عن الأجور التي يتلقاها الرجال. وأبرزت بعض التقارير الخاصة بالتنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقع الفقر على كاهل النساء أكثر من وقعه على الرجال حتى في بعض دول الخليج التي تمتلك ثروات بترولية هائلة. تمييز ممنهج ويحاصر الفقر المدقع النساء العربيات بسبب التمييز الممنهج ضدهن في سوق العمل وصعوبة حصولهن على احتياجاتهن الأساسية وتهميش دورهن في الأسرة والمجتمع. ويظل مفهوم قوامة الرجال على النساء المنبع الرئيسي للفقر الأنثوي الذي قل أن يوجد منفصلا عن أشكال شتى من الظلم الذي ينكل بالمرأة على جميع المستويات. ولا تسعى أغلب الأنظمة العربية في الاستراتيجيات التي تضعها لمحاربة الفقر إلى محاولة تضييق الفجوة بين الجنسين التي تمثل السبب الرئيسي في التدهور الاقتصادي وانعدام الاستقرار في العديد من المناطق، لذلك ستبقى طموحات مجتمعاتها الراغبة في الانعتاق من ربقة الفقر معلقة ما لم تتغير العقليات، ويتم توفير الأمان والصحة والتعليم للنساء، ‏وتمكينهن اقتصاديا وسياسيا.‏ وتسلط صحيفة “العرب” الضوء على بعض القصص التي تعكس القوة والصبر والمثابرة والتضحية لنساء عربيات لديهن الكثير ليقلنه عن حربهن اليومية ضد الفقر المؤنث. استهلت التونسية زبيدة المزغوني التي تقطن بمدينة ماطر التابعة لمحافظة بنزرت حديثها بتنهيدة اعتصرت ألما من الحمل الذي يثقل كاهلها، ووجدت متنفسا لتبوح به لـ”العرب”. قالت المزغوني التي تبدو ملامحها أكبر بسنوات من عمرها الحقيقي الذي لم يتجاوز 47 عاما، إنها تعيش حياة تفتقد فيها معنى المسرة والراحة، فهي تستيقظ كل يوم من شفق الفجر حتى تعد وجبة الإفطار لابنتها الصغيرة والوحيدة، ثم ترسلها إلى جارتها التي تتكفل بالعناية بها مقابل مبلغ مادي تدفعه لها كل شهر، وبعدها تركب الحافلة أو سيارة أجرة لتقصد عملها بتونس العاصمة. وأشارت إلى أن عملها كمنظفة بمحطة القطارات يتطلب منها أن تكون متواجدة منذ الساعة الخامسة صباحا إلى حدود الواحدة أو الثانية ظهرا، وبعد أن تقضي يوميا ساعات طويلة في جمع النفايات وكنس الأرضيات وشطفها ومسح الغبار من على مكاتب الموظفين وتهيئتها، تعود إلى منزلها لتجد عملا آخر بانتظارها وهو العناية بابنتها وإعداد وجبة العشاء لأسرتها. وأكدت المزغوني أن ظروف حياتها الصعبة والقاسية جعلتها تقبل بهذا العمل الذي أمضت فيه أكثر من 17 عاما، ولم تعرف فيه طعم الراحة ولو لدقائق معدودات، لأن ذلك غير مسموح في مثل شغلها، الذي يتطلب ساعدا لا يكل ولا يمل، وخاصة في ظل غياب عقلية مجتمعية لا تساعد على تحقيق النظافة وتحد من إرهاق العاملات في هذا المجال. وتساءلت المزغوني بصوت محمل بحشرجة الحسرة “لقد فقدت الإحساس بأنوثتي، وكيف لي أن أتذوق طعم الحياة وهذه وتيرة حياتي اليومية، كما أن مرتبي الزهيد الذي لا يتجاوز 300 دينار تونسي شهريا (150 دولارا) يجعلني أتغاضى عن أشياء كثيرة وأحرم نفسي من أجل توفير مصاريف أسرتي واحتياجاتها”.مشقة في أرذل العمر وأضافت بعيون اغرورقت بالدموع “نعم أنا امرأة مهمشة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، صحيح تمكنت وبعد سنوات طويلة في مهنة التنظيف من مساعدة زوجي العامل اليومي البسيط على اقتناء بيت صغير يأوينا، ولكني في مقابل ذلك أنفقت سنوات طويلة من عمري في مهنة لا تلقى الاحترام من الناس، وأعمل يوميا لساعات طويلة ومضنية في مقابل أجر بسيط، وحتى الزي الخاص بالعمل يقطع من راتبي، وكل دقيقة تأخير تخصم من هذا الراتب الزهيد”. وما يزيد في معاناة المزغوني هو شعورها الدائم بافتقاد أقاربها الذين لا تجد حيلة لزيارتهم، بسبب قلة الإجازات في عملها وضعف الإمكانيات المادية. مرارة الحياة وشمرت الجزائرية حفيظة بن ملاح -التي تقطن بحي براقي الشعبي بالجزائر العاصمة- على ذراعيها من أجل رفع الفاقة والاحتياج عن أسرتها وتحقيق سبل الراحة لأبنائها الستة، ومعاضدة زوجها عامل البناء البسيط على تحقيق حياة كريمة. وكغيرها من النساء الكادحات الكثيرات في الجزائر، ممن دفعتهن ظروفهن الاجتماعية الصعبة إلى عدم ادخار أي جهد من أجل توفير لقمة العيش لأبنائهن ومساعدة أزواجهن على مجابهة مصاريف واحتياجات أسرهن المادية، قررت بن ملاح البالغة من العمر 42 عاما إعداد “خبز الطاجين” في منزلها وتوزيعه على أصحاب محلات البقالة في الحي، حتى يبيعون منه ما استطاعوا ويعيدون إليها ما تبقى منه في المساء. وقالت لـ”العرب” إن أسرتها مرت بظروف صعبة جدا، نتيجة ضعف دخل زوجها من قطاع البناء، ووصل الأمر إلى حد العجز عن تسديد معلوم فاتورة الكهرباء أو الماء، أو توفير مصاريف علاج من يمرض من أفراد عائلتها. وأضافت “صدقوني في بعض الأحيان وجبة العشاء لم تكن تكفي الأطفال، وكنا أنا وزوجي نتظاهر بالشبع لأجل أن يشبع أبناؤنا، وحتى بقالو الحي امتنعوا في أحيان كثيرة عن منحنا ما كنا نحتاج إليه من مواد غذائية على أن نسدد معلوم ذلك لاحقا، بل حتى كلماتهم كانت فيها إيحاءات مهينة”. وأوضحت بن ملاح أنها لم تكن تحمل مؤهلا علميا جامعيا، كما لم تتلق أي تكوين مهني يخولان لها إيجاد وظيفة في سوق الشغل، إلا أنها وجدت في صنع الخبز التقليدي ملاذا ومخرجا من الأزمة التي تعيشها أسرتها. واسترسلت محدثة العرب في سرد تفاصيل قصتها قائلة “يومي يبدأ من الساعة الرابعة صباحا، حيث أباشر عملية عجن وطهي الخبز، ثم يقوم أولادي بتوزيعه على محلات البقالين على الساعة السابعة صباحا، قبل أن يتوجهوا إلى مدارسهم، وفي المساء يجمعون مدخول ما بيع من الخبز، والكمية التي بقيت منه”. وبلهجة امتزجت فيها مشاعر الحزن والتحدي، ذكرت بن ملاح أنها أحيانا تشعر بمرارة كبيرة لأنها تنازلت عن خصوصياتها الأنثوية، وأن أغلب أوقات حياتها أصبحت مرتبطة بالدقيق والعجين والفرن، ولم يعد لديها الوقت لتتأنق وتستمتع بالراحة أو تأخذ فسحة للترفيه، فالتزاماتها مع الزبائن تحتم عليها العمل اليومي ومن دون انقطاع، ولكنها رغم ذلك تشعر أن تضحياتها لا تساوي شيئا في مقابل إسعاد أسرتها وحفظ كرامتها. وختمت بقولها “لا يهمني أن ينعتوني بـ’حفيظة الخبازة’، لأن جهدي وتضحيتي هما من أجل رفع الفاقة عن أسرتي، وأنا مقتنعة بنصيبي في هذه الدنيا، وكل ما يهمني هو توفير احتياجات أبنائي وتهيئة السبل لنجاحهم في دراستهم”. ولا يبدو أن المغربية فطومة الشركي عازمة على طرح الخوف من الظهور في الأضواء جانبا، حتى تتيح للناس معرفة تجربتها والوقوف على حجم ما تواجهه من صعوبات وظروف قاسية من أجل توفير لقمة العيش لأبنائها، وخيرت ألا تصاحب صورتها حكايتها. وتعيش الشركي التي لم تتجاوز الأربعينات من عمرها برفقة أبنائها الأربعة في غرفتين بالمدينة القديمة بفاس، بعد أن توفي زوجها وترك لها مسؤولية إعالتهم بمفردها. وتنهدت وقالت في تصريحها لـ”العرب”، “لم أعد أقوى على هذا الحمل الثقيل، ففرص الشغل قليلة، ولكنني أحاول جاهدة تدبر أمري، فأنا أستيقظ منذ الصباح الباكر وأقصد أحد المحلات لأعمل لديه من الرابعة فجرا إلى التاسعة صباحا في عجن وطهو بعض المأكولات المغربية وأحصل منه على حوالي 50 أو 60 درهما يوميا (6.05 دولار)، وأعود على إثر ذلك إلى البيت بعد أن يكون أطفالي قد استيقظوا من النوم وأعدت لهم أختهم ذات الثماني سنوات الفطور”. وأضافت “بعد أن أرتاح قليلا أتوجه إلى السوق للعمل في تجارة الملابس والأغراض المستعملة، فأنا أعمل أيضا بائعة متجولة، في هذه المهنة التي كانت من اختصاص زوجي قبل أن يتوفاه الأجل منذ سنة ونصف السنة”. وأشارت الشركي في حديثها لـ”العرب” إلى أنها تعمل أيضا في المجال الفلاحي أثناء مواسم جني التفاح والزيتون، حيث يبدأ عملها من موقف عاملات الحقول منذ الخامسة صباحا إلى حدود الرابعة، وإن حالفها الحظ وتم اختيارها للعمل من قبل أصحاب الحقول، فإنها تحصل في اليوم على ما يتراوح بين 80 و100 درهما (8 إلى 10 دولارات).زبيدة المزغوني: أنفقت سنوات طويلة من عمري في مهنة لا تلقى الاحترام من الناس، وأعمل يوميا لساعات طويلة ومضنية مقابل راتب زهيد وقالت “رغم أن العمل الفلاحي مضن ويتطلب مجهودا بدنيا هائلا، إلا أنني لا أملك بديلا خصوصا أنني المسؤولة عن إعالة أبنائي”. وأشارت إلى أنها لم تتوقف عن العمل في الضيعات الفلاحية حتى في أصعب الظروف التي تحتم عليها الراحة، ففي أواخر شهر سبتمبر من عام 2003 كانت حاملا في الشهر التاسع وأصرت على العمل في جني التفاح، وعند عودتها إلى منزلها مساء اشتدت بها آلام المخاض، ولم تكن معها سوى جارتها التي أعانتها وقتها على الولادة وقطع الحبل السري لابنها البكر. وختمت الشركي قائلة “لا خيار أمامي سوى العمل بكل ما أوتيت من قوة في جميع الأعمال الشريفة، لا أستطيع أن أنقطع عن العمل أبدا، فأنا أعيل أربعة أطفال منهم اثنان يدرسان أما ابني الأكبر فقد دفعت به إلى العمل حتى يساعدني في بعض المصاريف”. أزمات مكتومة فيما قالت أم أحمد، التي تفترش أحد أرصفة سوق الخضار في حي عين شمس شرق القاهرة في حديثها لـ”العرب” إنها اعتادت على بيع جميع أنواع الخضروات من الصباح الباكر إلى المساء. وأكدت أن زبائنها رجالا ونساء يثنون على خضرواتها الطازجة، والبعض منهم يرفع من روحها المعنوية ببعض الكلمات الطيبة، فهي وزوجها لا مصدر رزق لهما غير بيع الخضار يوميا في المكان المعتاد. وشددت على أن العمل ليس عيبا في ظل الظروف الصعبة في مجتمعها وغلاء الأسعار ومصاريف المدارس المشطة، وإنما العيب يكمن في مد اليد للناس بغير حق. وأشارت بائعة الخضروات إلى أنها تعول ثلاثة أبناء ذكور، وأن مصاريفهم الكثيرة تقصم ظهرها، فالبكر منهم في كلية الحاسب الآلي، والأوسط والصغير مازالا في المدرسة، إلا أنهم يساعدونها وزوجها في بيع الخضروات أيضا. وقالت أم أحمد “عندما أمرض أنا أو أي شخص من أسرتي ونذهب إلى المستشفي، لا أحد من المسؤولين يعيرنا اهتماما لأننا فقراء، وينظرون إلينا على أننا لا قيمة لنا في المجتمع، كما لا توجد نقابة تدافع عنا أو مسؤول يضمن حقوقنا ويتكلم نيابة عنا”. وشدد هاشم بحري، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر على ضرورة أن يكون للنساء المهمشات والمعوزات في المجتمع ائتلاف أو نقابة تدافع عنهن وتحميهن من الجور والظلم، لأن ذلك يدفعهن إلى الإصابة بالاكتئاب الذي يمكن أن ينتقل إلى الأبناء أيضا. وأشار أستاذ الطب النفسي لـ"العرب"، إلى أن البعض من الحكومات العربية لا تلتفت إلى النساء المهمشات، ولا تساعدهن على تخطي الأزمات والأوضاع الصعبة التي يعشنها وذلك من شأنه أن ينعكس على أسر وأجيال بأكملها. وحث بحري الحكومات العربية على تقديم إعانات مادية وتوفير مراكز لتدريب وتأهيل النساء المنحدرات من بيئات اجتماعية فقيرة، حتى تتاح لهن الفرصة للحصول على عمل كما هو الشأن بالنسبة للنساء في البلدان الأوروبية. صحافية تونسية مقيمة في لندن

مشاركة :