صورة ربة البيت ثابتة في مجتمعات متغيرةتقول دراسة أميركية إن ربة المنزل تقوم بأعمال يومية قد تعادل في بعض البلدان حجم سبع عشرة وظيفة في آن واحد، ولكن ينظر إليها على أنها عاطلة عن العمل ويدون ببطاقة هويتها في خانة المهنة “لا شيء” في عدة أوساط اجتماعية.العرب يمينة حمدي [نُشر في 2018/02/18، العدد: 10904، ص(20)]حقوق مهضومة ومهام مزدوجة لا تنظر العديد من المجتمعات بالعين الكبيرة لدور ربة البيت، الذي تقضّي فيه المرأة وقتا مطولا في أعمال بلا أجر، مثل الطبخ والتنظيف ورعاية الأطفال والمسنين، وهي أعمال تتصاعد وتتسع وتتعقد حسب عدد أفراد الأسرة ومتطلباتهم المختلفة. وتحول ثقافة التمييز في الأدوار على أساس الجنس دون مشاركة الأزواج في الأعمال المنزلية، مما يلقي بالمسؤولية وبشكل غير عادل على عاتق النساء، وهذا الوضع قد يجبر نساء كثيرات على الاختيار بين الأسرة أو المشوار المهني، بسبب العجز عن التوفيق بين الأمرين، في حين لا يواجه الرجال مثل هذه الهواجس.سامر عواد: دافع الغيرة يجعلني لا أحبذ المرأة العاملة التي قد تختلط بالرجال وهناك أدلة متزايدة، سواء مستمدة من دراسات علمية أو مستقاة من إفادات أشخاص، تشير إلى أن المسؤوليات العائلية تعرقل المسار المهني للنساء وتجعل من اليسير على الرجال في المقابل الترقي بيسر وسهولة. ويقول تقرير للمنتدى الاقتصادي الدولي إن انتشار العمل غير مدفوع الأجر يثقل كاهل النساء، ويقدر أن جسر الفجوة بين الجنسين والقضاء على الجور الاقتصادي بين الجنسين قد يستغرقان 170 عاما. وبيّن استطلاع للرأي قام به موقع بريطاني على الإنترنت خاص بربات البيوت أن قيمة العمل الذي تقوم به ربة المنزل يتجاوز 30 ألف جنيه إسترليني ( حوالي 41 ألف دولار تقريبا) سنويا. وأشار الاستطلاع الذي شاركت فيه أكثر من 4 آلاف ربة منزل بريطانية إلى أن متوسط ساعات العمل اليومية لربة المنزل 9 ساعات. ويختلف اضطلاع النساء بالمهام المنزلية من مجتمع إلى آخر، غير أن دور “ربة المنزل” بالنسبة للمرأة العربية يمثل خيارا مفروضا عليها، ولا يمكنها التنصل منه حتى وإن كانت في غالب الأحيان تعمل خارج البيت مثلها مثل الرجل وأكثر. الحيف الاجتماعي رغم ما تبذله النساء من مجهودات جبارة في سبيل رعاية أسرهن وتلبية متطلباتهن، فإنهن لا ينلن سوى تقييمات تنطوي على الكثير من التمييز والإجحاف بحقهن، سواء من أزواجهن أو من المجتمع. ونتيجة لذلك، فإن عددا كبيرا من ربات البيوت العربيات ممن استطلعت “العرب” آراءهن يشعرن بالحيف الاجتماعي والغبن وينظرن إلى أنفسهن على أنهن أقل شأنا من النساء العاملات. واعتبرت التونسية نزيهة بفون أن النظرة الاجتماعية لربة البيت فيها الكثير من الإجحاف والاستنقاص من قيمتها ومن دورها الكبير في تربية الأجيال وتنشئتها. وقالت بفون لـ”العرب” “أفضل وصف يجب أن نكرم به ربة البيت هو (المناضلة) نظرا للتضحيات الكبيرة التي تقوم بها في سبيل رعاية أبنائها وتوفير أسباب الراحة لأسرتها، وأحيانا تتحمل هذه الأعباء على مدار سنوات عمرها ومن دون أن تنتظر مقابلا من أحد”. وأضافت “ربة البيت تقوم بمجهودات كبيرة في سبيل إرضاء جميع أفراد أسرتها، في حين أنهم لا يقدرون ذلك ولو بكلمة شكر، بل يعتبرون ما تقوم به تجاههم واجبا عليها وحقا مكتسبا لهم، أما بالنسبة للمجتمع فكلمة ‘لا شيء’ المدونة على بطاقة هويتها في خانة المهنة أكبر دليل على نكران جميل صاحبة الفضل الكبير”. وختمت بفون بقولها “ربة البيت تعمل كالآلة وأكثر، وكل ما تقوم به ينظر له على أنه (لا شيء)، عوض أن تمنحها الدولة مساعدات مالية ويكتب لها في بطاقة الهوية (ربة بيت) لتشعر بقيمتها وبأنها تسدي عملا يستحق التقدير، للأسف شارة (لا شيء) جحدت كل شيء قامت به مربية الأجيال”. فيما شبهت ابنة بلدها نادية معتوق العمل المنزلي بالمهمة الروتينية المعتادة التي تشعرها بالملل والاستياء، ولكنها لا تجد خيارا آخر غير مواصلة أداء واجبها كأم تجاه أبنائها الصغار الذين مازالوا في أمس الحاجة إلى رعايتها. وقالت معتوق لـ”العرب” “أحيانا وعندما أختلي بنفسي أشعر في قرارتي بعدم الرضا عما أنا فيه، ولكنني مجبورة على تقديم الكثير من التنازلات على حساب نفسي وكياني كإنسانة لها أحلام وطموحات في سبيل خدمة أبنائي والمحافظة على أسرتي”. وأضافت “أحاول جاهدة أن أرسم في ذهني صورة جيدة عن شخصيتي كربة بيت، ولكن سرعان ما يعاودني الإحساس بالتمزق بسبب سنوات عمري التي تمر سريعا وأنا ثابتة على نفس الحال مجرد ربة البيت عليها أداء وظيفتها المعتادة على أكمل وجه، فيما الزوج غائب طوال النهار ولا يعود إلا في المساء إلى البيت ليأكل وينام”. وأكثر ما يثير استياء معتوق النظرة الاجتماعية الدونية لربة البيت والتعابير المجازية التي تصورها على أنها مسكينة ومعزولة ومحدودةُ التفكيرِ، والكثير من الأوصاف والنعوت لحياتها المنزوية في الظل وعجزها عن مسايرة ما يشهده العالم من تطورات في الخارج، مشددة على ضرورة رد الاعتبار لربة البيت التي ربت الأجيال وعلمتهم القيم والأخلاق. ولا ينبع إحساس ربات البيوت بالظلم الاجتماعي والإحباط ونظرتهن الدونية لدورهن في الأسرة، من التعميمات الاجتماعية الخاطئة أو السطحية التي يحملها الكثيرون حول الشؤون المنزلية فحسب، بل أيضا من تقلص الفرص المتاحة أمامهن لاختيار مهن تشعرهن بالاستقلالية المادية وبقيمة أنفسهن، كما أنهن لا يحصلن في معظم الظروف الاجتماعية الصعبة التي قد يعشنها على مساعدات مالية من الحكومات تحفظ كرامتهن وتشعرهن بقيمتهن. ويعكس تدني مشاركة المرأة في سوق العمل تشابك العوامل التشريعية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، التي تحدد أين تعمل النساء، ويتسبب هذا في ضيق المجال المتاح أمامهن في سوق العمل. كما تواجه النساء التمييز من قبل أصحاب المؤسسات الذين يرفضون في الغالب تشغيلهن، بسبب الخوف من أن تؤثر مسؤولياتهن الأسرية على مردودهن الوظيفي، مما يجعلهن عرضة -على أكثر الاحتمالات- لأن يبقين بلا عمل. مسؤولية إدارة الأسرة تعتبر مسؤولية إدارة الأسرة والعناية بالأطفال من المهمات الأساسية بالنسبة للنساء اللاتي لا يستطعن تحدي السياقات التقليدية والقبلية التي لا يكون فيها تغيير العقليات الذكورية أمرا يسيرا، كما يصعب على التشريعات الحديثة أن تتجاوزها بين ليلة وضحاها. وتصر السعودية سعاد الحميدان على أن المرأة ربة البيت لها مكانتها بين عائلتها وفي مجتمعها، وليست أقل شأنا من المرأة العاملة، والفارق البسيط بينهما هو أن التي تعمل خارج المنزل لديها استقلالية مادية وباستطاعتها المساهمة في الإنفاق على أسرتها وتحسين ظروفها الاجتماعية. وقالت الحميدان لـ”العرب” “الموظفة لها تقدير كبير كونها حملت على عاتقها مشاركة زوجها في تحمل مصاريف الإنفاق على الأسرة، وخصوصا إذا كانت تعمل بمجال التعليم، فإنه ينظر إليها نظرة فخر وتبجيل لأنها معلمة أجيال، لكن في مجتمعنا القبائلي الأفضل أن تلازم المرأة المنزل على أن تعمل بالتمريض والمحلات فمثل هذه المهن مريبة في مجتمعنا، ونادرا ما تمتهنها النساء بدافع مساعدة أزواجهن على مجابهة الظروف المادية الصعبة”. وأوضحت “ربات البيوت يقمن أيضا بعمل رائع للأسرة والمجتمع، والسبب الرئيسي في عدم مشاركتهن في سوق العمل هو عدم تقبل البعض من الرجال فكرة أن تصرف عليهن أنثى، معتقدين أن ذلك الأمر ينقص من رجولتهم”.أيمن عبدالسميع حسن: هناك بعض المعتقدات المتداولة تنظر للمرأة العاملة على أنها مهملة وأضافت “أما عن نفسي فقد رفض زوجي مواصلة دراستي، رغم أنني كنت متفوقة بالثانوية وحصلت على تقديرات جيدة جدا في اللغة الإنكليزية، ولكني لم أبق مكتوفة الأيدي بل على العكس سعيت إلى تعويض ذلك بالعمل كمدرسة للغة الإنكليزية في منزلي، وشهرتي كأول سعودية تقتحم هذا المجال الذي لطالما اختصت به الوافدات العربيات تجاوزت منطقتي وأصبحت تقصدني طالبات من مناطق أخرى مختلفة من السعودية”. وختمت الحميدان بقولها “كنت أتمنى اقتحام سوق العمل، ولكنني أيضا لا أنظر بغبن إلى دوري كربة بيت ويكفيني فخرا كلمات الامتنان والشكر التي أسمعها من زوجي وأولادي وأمي وأخي وأبناء أخي الذين توفيت أمهم وتكفلت بتربيتهم”. فيما اعتبرت راوية معلا الأحمدي نفسها محظوظة لأنها ليست مجبرة على الجمع بين العديد من الأدوار في الحياة اليومية. وقالت الأحمدي لـ”العرب” “أعتقد أن ربات البيت يعشن في نعمة كبيرة، ولكن البعض منهن لا يقدرن ذلك ويعتقدن أن العاملات أفضل منهن وهذا غير صحيح”. وأضافت “كنت أعمل وأعرف حجم ما تعانيه المرأة الموظفة التي عليها أن تقوم بأدوار مضاعفة في العمل، ثم تعود بعد ذلك إلى أشغال المنزل المتراكمة وطلبات الأطفال التي لا تنتهي، والنتيجة ضغوط نفسية كبيرة وقلق يومي، في حين أن ربة البيت تركز فقط على العناية بأبنائها وزوجها”. وشددت الأحمدي على أن “الأجيال الجديدة من الرجال يفضلون الزواج من المرأة العاملة لتساعدهم على مجابهة مصاريف الحياة الأسرية”. وعلى عكس العديد من ربات البيوت اللاتي اشتكين من الأعباء التي تلقى على كاهلهن من العمل المنزلي ومن الإحباط المادي والمعنوي في أوساطهن الأسرية، فضلت الفلسطينية سهى سالم الجعفري التخلي عن عملها من أجل الاعتناء بأسرتها، مشيرة إلى أن إحساس ربة البيت بدونيتها مرتبط بالأساس بالبيئة الأسرية والاجتماعية التي تنشأ فيها منذ الصغر وتؤثر فيها، بالإضافة إلى مستواها التعليمي ومدى انفتاحها على العالم من حولها. وقالت الجعفري لـ”العرب” “لقد تربيت على حب العائلة وأدرك أن الأم عمود البيت الأساسي وقوامه، فإذا رغبت في العمل خارج البيت لا يجب أن يكون ذلك على حساب أطفالها، وعليها أن توازن بين مهنتها واحتياجات أطفالها، وخاصة عندما يكونون في مراحل أعمارهم الأولى”. وأوضحت “عملت مصممة أزياء لمدة سنتين بعد تخرجي من الجامعة وكانت من أجمل أيام عمري نظرا لأنني أعتبر العمل وسيلة لتحقيق الذات والشعور بالاستقلال المادي، ولكن عندما تزوجت ورزقت بطفلي الأول فضلت التفرغ لابني واخترت طوعا أن أكون ربة منزل، وبعد أن أنجبت ابنتي الثانية شعرت بالحنين لعملي، ولكن من الصعب أن أعمل في اختصاصي السابق بوجود طفلين يحتاجان لرعايتي”. وأضافت “ساعدتني أختي على الالتحاق بأكاديمية لتعليم الأطفال الذين لديهم صعوبات في التعلم، وفعلا حصلت على شهادة بمزاولة المهنة من البيت، فاستطعت الجمع بين العمل والعناية بأسرتي، وأتوقع أن جميع النساء لديهن ملكة الذكاء التي تجعلهن يوفقن بين الأسرة والعمل خارجا من دون أن تميل كفة على حساب الأخرى”. واستدركت “لكن من المؤسف أن الرجال أحيانا لا يقدرون ما تقوم به المرأة من مهام داخل المنزل وخارجه، ويعتبرونها سهلة وبسيطة رغم تنوعها وصعوبتها واستهلاكها للوقت والجهد”.ابدى البعض من الرجال ممن استطلعت “العرب” آراءهم انفتاحا وتقبلا لفكرة أن تكون للنساء نفس الحقوق في العمل مثل الرجل طالما ظلوا هم المعيلين للأسرة وتكفلت النساء بمسؤولية رعاية الأبناء والقيام بشؤون البيت تحديث الصورة النمطية أبدى البعض من الرجال ممن استطلعت “العرب” آراءهم انفتاحا وتقبلا لفكرة أن تكون للنساء نفس الحقوق في العمل مثل الرجل طالما ظلوا هم المعيلين للأسرة وتكفلت النساء بمسؤولية رعاية الأبناء والقيام بشؤون البيت، لكن ذلك لا يعني أن كل رجل يرحب بانتقال المرأة من عالمها التقليدي الذي يتمتع بخصوصية كبيرة ليصبح أكثر حداثة وعمومية، إذ يتبنى الكثير من الشبان على ما يبدو آراء تقليدية مثل آبائهم. وقال الصحافي الفلسطيني سامر عواد “أفضل الزواج من المرأة ربة البيت وليست العاملة ولدي أسبابي الشخصية التي قد تكون مختلفة عما يريده غيري من الشبان، ولكني أحبذ أن تكون زوجتي متفرغة لي ولبيتي وأولادي، طبعا مع مراعاة حقوقها كإنسانة تحتاج للخروج والاستجمام والترويح عن نفسها، ولا يجب أن تبقى حبيسة المنزل وتعيش في دائرة من الروتين اليومي”. وأضاف “دافع الغيرة يجعلني لا أحبذ المرأة العاملة التي قد تختلط بالرجال كل يوم وتشتغل معهم في نفس المكان، كما أني أرى أن ربة البيت تقوم بدور عظيم، فهي تشرف على تربية أبنائها أحسن تربية، فصلاح المجتمع وتقدمه يبدآن من البيوت التي تولي فيها المرأة الرعاية والحب والحنان والاهتمام لأولادها”. وختم عواد بقوله “هناك من يعتبر أن المرأة قادرة على التوفيق بين العمل والبيت لكن هذا غير صحيح، أعتقد أن مثل هذا الأمر سيحولها إلى آلة ويجعلها تعيش تحت دوامة من الضغوط التي قد تؤثر على جميع من في البيت بمن في ذلك الأولاد والزوج”. إلا أن الصحافي المصري أيمن عبدالسميع حسن لا يرى فارقا كبيرا بين المرأة التي تعمل وربة البيت، والأهم بالنسبة له أن يبنى الزواج على الود والتفاهم قبل الحسابات الأخرى. وقال حسن “لم يكن ارتباطي بربة بيت على سبيل المصادفة، فزوجتي ابنة عمي، والحب هو القاسم الرئيسي والمشترك الذي جمع بيننا”. وأشار “هناك بعض المعتقدات المتداولة في العديد من الأوساط الاجتماعية تنظر للمرأة العاملة على أنها مهملة في شؤون بيتها، لكن هذه ليست قاعدة عامة، هناك أيضا ربات بيوت مهملات ولا يقمن بشؤون أسرهن على أكمل وجه، والعكس قد يكون صحيحا أيضا”. وأضاف حسن “وهناك من يتزوج من ربة بيت – مثلي- ويحمد الله أنه تزوجها على هذا الوضع الذي هي عليه، لأنها بالحنكة والتدبير تحول البيت جنة.. ولله الفضل”. لكن يبقى شيء من النقص بداخل كل ربة بيت لا ينظر إليه أزواج كثيرون ولا تعوض عنه العائلة، وهو العمل الذي يشعر المرأة بأنها تحقق ذاتها ويزيل الكثير من المشاعر السلبية لديها. صحافية تونسية مقيمة في لندن
مشاركة :