بيتر أوتول بطل لورانس العرب الذي قهر الزمن بقلم: أمير العمري

  • 5/7/2017
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

الممثل البريطاني من الممثلين الذين يهتمون كثيرا بأداء الأدوار الصعبة المركبة وقد رشح لجائزة الأوسكار سبع مرات لكنه لم ينلها.العرب أمير العمري [نُشر في 2017/05/07، العدد: 10625، ص(16)]بيتر أوتول.. ممثل من طراز خاص كنت دائما من المعجبين بالممثل البريطاني بيتر أوتول منذ أن رأيته للمرة الأولى في الفيلم الشهير "لورانس العرب" (1962). كان أوتول بعينيه الزرقاوين اللتين تشعان ذكاء وإصرارا، نموذجا للممثل الذي يفرض سطوته على من حوله حتى لو كانوا من كبار الممثلين، ويخطف الأضواء منهم جميعا. كان هذا شأنه منذ بداية تألقه في “لورانس العرب” فقد كان محاطا بكوكبة من أفضل وأشهر الممثلين في العالم: أنطوني كوين، أليك غينيس، جاك هوكنز، وكان بيتر يتنافس في ذلك الفيلم مع الممثل الصاعد وقتذاك، عمر الشريف الذي سيصبح من أقرب أصدقائه يشاركه اللهو والعبث والخروج عن المألوف فكلاهما مصاب بـ”جون الممثل” وغرائبياته، وبينما كان عمر الشريف مدمنا على القمار كان بيتر أوتول مدمنا على الخمر. قيل الكثير عن تطرف بيتر أوتول في سلوكياته، ومنها أنه لم يكن يصعد إلى خشبة المسرح إلا وهو ثمل، ومع ذلك لم يكن يرتبك أو يتلعثم، بل كان أداؤه دائما مرموقا. وكنت قد قرأت كثيرا عن الكتاب الذي صدر مؤخرا عن حياته، لكني فوجئت عند قراءته الكتاب نفسه بما يكشفه من خفايا خطيرة الشأن. الكتاب يحمل عنوانا غريبا لربما كان قد دفع بيتر أوتول لو كان لا يزال على قيد الحياة، إلى الاحتجاج (رحل بيتر أوتول عن 81 عاما عام 2013). وربما كان قد أسعده أيضا، فبيتر لم يكن من السهل التنبؤ بردود فعله إزاء أي شيء، فهو متقلب المزاج، يميل إلى المزاح المغالى فيه، يعبر عن غضبه بشكل صارخ، ويعتقد أنه لكونه نجما سينمائيا، يمكن أن يفعل أي شيء أو يحصل على أي شيء. المثير للمتاعب اشترك مؤلفان هما داروين بورتر ودانفورث برينس، في تأليف الكتاب الذي يحمل عنوانا غريبا هو “بيتر أوتول: السكير المثير للمتاعب، الجنسي الخارج عن القانون، والأيرلندي المتمرد”. دلالة على “تطرف” أوتول في سلوكه يروي المؤلفان كيف ذهب أوتول ذات أمسية برفقة صديقه الممثل بيتر فينش لتناول شراب في إحدى الحانات، ولما انقضى الوقت المخصص لطلب المشروب الأخير قبل إغلاق الحانة، اعترض بيتر أوتول وطالب صاحب الحانة بتقديم مشروب آخر لكن الرجل رفض التزاما بالقانون، فأخرج أوتول دفتر الشيكات من جيبه وكتب شيكا للرجل بمبلغ كبير قائلا إنه سيشتري الحانة. ولكنه عاد صبيحة اليوم التالي –غالبا بعد أن استفاق وأدرك مقدار تهوره- ليسترد الشيك من صاحب الحانة، ثم أصبح الرجلان منذ تلك اللحظة صديقين حميمين!دور لورانس العرب رفعه إلى مصاف كبار النجوم على صعيد العلاقات والمغامرات الغرامية يذكر المؤلفان أن بيتر أوتول ارتبط لمدة ثماني سنوات بعلاقة حميمة مع الأميرة مرغريت شقيقة الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا حتى اليوم، وقد بدأت علاقتهما بعد أن التقيا للمرة الأولى عقب عرض فيلم “لورد جيم” الذي قام ببطولته أوتول عام 1965، أي بعد انهيار زواجها من لورد سنودن. وكانت مرغريت تجد سلواها مع أوتول وتطلعه على ما يسبب لها القلق بل إنها اتصلت به ذات مرة بعد منتصف الليل لكي تخبره بأنها توشك على الانتحار بتناول الأقراص المنومة، لكنه لم يأخذ تهديدها على محمل الجد. وبعد الليلة الأولى من بداية علاقتهما، يقول المؤلف داروين بورتر إن أوتول شوهد يقطع شوارع لندن في سيارة الأميرة الرولز رويس، وفي المغرب قضى الإثنان وقتا داخل “فيلا” سرية، حيث تشاركا في “بانيو” يفيض بالعطر وماء الورد. وقال أوتول فيما بعد لأصدقائه أن العطر كان يفوح من جسده لعدة أيام كما لو كان “عاهرة معطرة”! أقام أوتول علاقات غرامية مع معظم الممثلات اللاتي شاركهن البطولة في أفلامه، باستثناء كاثرين هيبورن، ويقول داروين بورتر إن السبب الذي ذكره بيتر لأصدقائه أن كاثرين دخلت عليه ذات مرة في غرفته بالمسرح بعد أن كان قد أنهى العرض، فوجدته يتبول في الحوض، فقد كان قد احتسى كمية كبيرة من الجعة قبل صعوده خشبة المسرح، ولم يكن يستطع أن ينتظر فأراد التخلص من البول الذي كان يضغط على مثانته بقوة. ولكن كاثرين هيبورن -على ما يبدو- شعرت بالاستياء من سلوكه هذا ونفرت منه! تزوج بيتر أوتول من الممثلة البريطانية (من إقليم ويلز) سيان فيليبس التي عاشت معه لمدة عشرين عاما قبل أن يقع الطلاق بينهما عام 1979، وبعد أن أنجبت طفلتين. ويذكر الكتاب أنه كان يسيء معاملتها وأنه ألقى ذات مرة بكل ملابسها من نافذة غرفة النوم! لورانس ولد بيتر أوتول في أيرلندا عام 1932، لأب كان يعمل وكيلا للمراهنات، ثم رحل إلى لندن حيث مارس في شبابه المبكر بعض المهن المختلفة، ثم التحق بالأكاديمية الملكية للدراما، حيث درس التمثيل، وقام بأداء بعض الأدوار في مسرحيات شكسبير، وكان أول دور له في السينما عام 1959 في فيلم “المختطف” أمام الممثل الراحل بيتر فينش. وجذب أداؤه المتميز في المسرح المخرج البريطاني ديفيد لين، الذي أسند له دور البطولة في فيلم “لورانس العرب”. وقد رشح أوتول عن دور “لورانس” لجائزة الأوسكار لأحسن ممثل، لكنه لم يحصل على الجائزة. والغريب أنه رشح بعد ذلك لنفس الجائزة عن أدواره في أفلام أخرى ست مرات، دون أن يحصل عليها قط. من تلك الأدوار دوره في فيلم “الأسد في الشتاء” أمام كاثرين هيبورن، و”بيكيت” أمام صديقه ورفيق مسيرته إلى حين وفاته الممثل الإنكليزي الراحل ريتشارد بيرتون، و”ليلة الجنرالات” أمام عمر الشريف.أوتول مع إليزابيث تايلور ينتمي بيتر أوتول إلى ذلك النوع من الممثلين الذين يهتمون كثيرا بأداء الأدوار الصعبة المركبة، لذلك ليس من الممكن اعتباره نجما تقليديا، أي من ذلك النوع الذي يكفي وجود اسمه على ملصق الفيلم لتحقيق النجاح الجماهيري. وقد عرف أوتول الفشل في الكثير من الأفلام التي قام ببطولتها خاصة في السبعينات من القرن الماضي. وتعرض لأزمة حادة عندما أصرت النجمة الراحلة ماي ويست على أن يشاركها آخر أفلامها، لكنه تراجع بعد أن قرأ السيناريو واكتشف أن الفيلم بأكمله كان مكرسا لإبراز شخصية ماي ويست على حساب غيرها من الشخصيات. قام بيتر أوتول بأدوار البطولة في عدد كبير من المسرحيات والأفلام والأعمال التلفزيونية، غير أنه كان يشعر بحب خاص تجاه المسرح الذي يعتبره بيته الحقيقي ويفضله على السينما، وقد تفوق أوتول على المسرح في الدور الرئيسي في رائعة شكسبير “ماكبث”، كما أدى كل الأدوار في السينما: البطل الرومانسي، والمغامر المتمرد، والبطل التراجيدي، والمجرم السادي العنيف، وبعد تقدمه في السن، أصبحت أغلب الأدوار التي تعرض عليه في السينما هي أدوار الشر. رغم ما عرف عن بيتر أوتول من إدمانه الشديد للخمر، ومشاركته صديقه ريتشارد بيرتون تناول الشراب كل ليلة، إلا أنه أدرك بعد وفاة بيرتون مساوئ الشراب، وأقلع عنه تماما ثم عاد إلى التألق في السينما عام 1988 في فيلم “الامبرطور الأخير” الذي قام فيه بدور معلم الامبراطور الصغير.. آخر أباطرة الصين. صورة الأب وعن فلسفته في الحياة قال أوتول ذات مرة “بالنسبة لي الحياة هي إما يقظة وإما زفاف”. وفي الكتاب الذي يروي فيه تجربته في الحياة وعالم التمثيل كتب تفصيلا عن نشأته الأولى في أسرة أيرلندية تنقلت في عدة مدن وبلدان في ويلز وإنكلترا إلى أن استقرت في العاصمة البريطانية لندن. وهو يعقد مقارنة طريفة بين طفولته وطفولة الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر، وبين والد هتلر ووالده.. بين الظروف الاجتماعية والنفسية التي ساهمت في تشكيل كل منهما، مركزا على ذكرياته الأولى عن هتلر، مشيرا إلى اللقاء الأول بينهما في قاعة السينما عندما كان أوتول لا يزال بعد طفلا صغيرا وكان يشاهد الأشرطة السينمائية أثناء الحرب العالمية الثانية. الحرب العالمية وهتلر وانعكاسات الحرب على نمط التفكير السائد في بريطانيا، وانعكاسها على الأهل والأصدقاء، وعلى أجهزة الإعلام، كل هذه الأمور تحتل مساحة واسعة من ذاكرة بيتر أوتول الطفل. لكن الميزة الأساسية في هذا الكتاب، هي أن أوتول لا يروي لنا ما يرويه من وجهة نظر الطفل الصغير “بيتر”، لكنه يروي تفاصيل طفولته من وعي الرجل الذي عاش تجربة عريضة في الدنيا، وأصبحت لديه القدرة على استعادة الذاكرة بنظرة نقدية تحليلية، مع أسلوب أدبي عذب تشوبه السخرية المحببة وروح الدعابة والمرح. بيتر أوتول الذي تنقل منذ وقت مبكر في حياته بين عدة مهن مختلفة، انضم أولا إلى البحرية الملكية البريطانية، ثم عمل مراسلا صحافيا قبل أن يلتحق صدفة بالأكاديمية الملكية لفنون الدراما ويدرس التمثيل، وفي كتابه يروي انطباعاته عن مرحلة طفولته، وعن مشاغباته مع والده بات أوتول “وكيل المراهنات”، وأمه كونستانس جين إيليوت التي يصفها بقوله “ذات شعر متموج وعينين يقظتين وإرادة امرأة تسعى للزواج طمعا في المال”.ومع الممثلة أودري هيبورن لكن قصة بيتر أوتول هي أيضا قصة نجاح وصعود ممثل ونجم فوق العادة. إنه يروي تجربة التقدم للامتحان في أكاديمية الدراما، وكيف أن الحظ خدمه عندما قبل الدراسة بها، ثم رحلته في البحث عن نفسه كممثل: ماذا يريد، وكيف يستطيع أن يحقق ما يريده. مع هتلر من بين المزايا العديدة لهذا الكتاب، أن أوتول لا يقسمه إلى فصول يمنحها عناوين معينة، بل يترك لنفسه العنان للانتقال من حدث إلى آخر، ومن تجربة إلى أخرى، ثم يعود بين هذا وذاك، إلى عقد المقارنات الساخرة بينه وبين هتلر، أو بين تكوين أبناء جيله، وتكوين أبناء الجيل الذي نشأ في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى وأصبح مسؤولا عن تأسيس الحزب النازي. والفارق كبير بالطبع بين أن تبدأ مدفوعا بالرغبة في أن تصبح فنانا وتنتهي إلى العسكرية والنازية كما في حالة هتلر، أو أن ترغب في ألا تفعل شيئا على الإطلاق، ثم تنتهي ممثلا. النازية والهتلرية والحرب، ربما كانت التجربة الأكبر التي تركت بصماتها على طفولة أوتول، بسبب استمرار الدعاية المناهضة البريطانية في المدارس وأجهزة الإعلام طوال سنوات، ثم ما يكمن في المقارنة نفسها من مفارقات غريبة وطريفة، ولكن ينتقل أوتول ليتذكر تأثير الحرب العالمية على أسرته وجيرانه وأصدقائه.. كيف كانت القنابل تتساقط والناس يموتون والأخبار تظهر في الصحف. وكيف أن الحرب هي الفترة التي ساهمت في تكوين أبناء جيله. لقد اقتضى الأمر من بيتر أوتول سنوات طويلة حتى يصل إلى تصفية حسابه الشخصي مع هتلر، عندما لعب دور ضابط يخطط لاغتيال الفوهرر في فيلم “ليلة الجنرالات”. لكن بيتر أوتول يقول لنا إن ما شد انتباهه وهو طفل إلى هتلر الذي كان والده يعلق صورته في المنزل من شدة إعجابه بالزعيم الألماني، لم تكن طريقة هتلر في الخطابة أو مشيته أو تصفيفة شعره أو حتى شاربه الغريب، بل ذلك الجنون الكامن في عينيه. كانت عينا هتلر بكل ما يكمن فيهما من شراهة للسلطة والسيطرة، من تراجيديا عنيفة تتصارع في داخله، مثار إعجاب وكراهية في نفس الوقت عند بيتر أوتول الصغير. في فيلم “لورانس العرب”، بذل أوتول جهدا كبيرا طوال أكثر من ستة أشهر في التمثيل في صحراء الأردن، في درجة حرارة تصل إلى خمسين درجة مئوية، وتعلم ركوب الجمال والصمود في الصحراء دون ماء كاف للشرب، تماما مثل لورانس الذي كان ينافس رفاقه البدو في القدرة على التحمل. ورغم ذلك حسب ما جاء في الكتاب الجديد كان بيتر أوتول يجد وقتا للذهاب إلى بيروت لكي يجوب الملاهي الليلية والحانات، وقيل إنه خسر ذات ليلة دخله في تسعة أشهر في ليلة واحدة على مائدة القمار! ناقد سينمائي من مصر

مشاركة :