"ليش ماعندنا كذا"؟ كان هذا السؤال هو عنوان مقال الأسبوع الماضي الذي تناول غياب صالات العرض السينمائي في المملكة، وكانت التعليقات في موقع الرياض الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى تيارين، مؤيد لإحياء صناعة السينما لدينا، ومعارض لذلك استنادا على فهم مغلوط وظالم للدور الذي يلعبه الفن السابع في حياة الشعوب. حتى مطلع الثمانينيات عاشت مناطق محدودة من المملكة تجربة السينما وهي تتسلل إلى مجتمعاتنا على استحياء كما كانت الحال مع بدايات الراديو والتلفزيون. أحواش خاصة وجهاز عرض ببكرات ولوحة قماش أو شرشف وفيلم أو أكثر كانت كافية لجذب مئات المشاهدين الذين وجدوا في ذلك وسيلة ترفيه وانفتاح على العالم من خلال ما تعرضه تلك الأماكن من أفلام عربية وأجنبية. صحيح بأن تلك التجارب كانت في معظمها فردية ولكنها كانت كفيلة بتأسيس صناعة ترفيه متطورة لا تقل عن مثيلاتها في دول الجوار لو كتبت لها النجاة. فجأة جرى إغلاق كل ما له علاقة بالسينما من أماكن عرض ومحلات بيع وتأجير في توجه قيل بأنه على ارتباط بأحداث الحرم التي وقعت في نهاية السبعينيات. والآن وبعد نحو خمسة وثلاثين عاما وبعد معارك ضارية حققنا خلالها الانتصار تلو الآخر في مواجهتنا مع التطرف لا زلنا عاجزين عن إنشاء دور سينما تمثل منفذ ترفيه لمواطنينا ومصدر تعريف بهويتنا العربية والإسلامية السعودية. تذكرون فيلم الرسالة للمخرج العربي العالمي مصطفى العقاد وكيف نجح في نقل صورة حقيقية عن الإسلام للغرب عندما تحدث عن رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وللمخرج ذاته فيلم أسد الصحراء المعروف بعنوان "عمر المختار" في نسخته العربية الذي تناول واحدة من أعظم قصص الشجاعة العربية في مواجهة الاحتلال ونقلها للعالمية من خلال الفنان انتوني كوين الذي سجد وقرأ القرآن خلال تجسيده لهذه الشخصية العظيمة. هل نحن عاجزون في وقتنا الراهن عن انتاج ٍ مماثل عن رسالتنا الإسلامية السمحة، عن هويتنا الوطنية، عن تأسيس هذا الكيان على يد المغفور له الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه والذي لايقل في كفاحه لتوحيد المملكة عن العشرات ممن خلدت ذكراهم السينما العالمية؟ ليس فخرا أن نقول بأننا البلد الوحيد في العالم الذي لاتوجد فيه دور سينما حتى لعرض الإنتاج المحلي الخاضع أصلا لمعظم اشتراطات المجتمع. حان الوقت لنتوقف عن طرح الأسئلة وتبادل الاتهامات، وآن الأوان لتعليق الجرس، فيا وزارة الثقافة والإعلام، ويا هيئة السياحة افتحا الباب لمنح التراخيص اللازمة لقيام دور سينما، ولا بأس في وضع اشتراطات منطقية ومعقولة تراعي مستوى الوعي الذي وصلنا إليه. ويا وزارة التعليم العالي امنحي الفرصة لابتعاث المميزين من مخرجين ومصورين وممثلين وكتّاب لدراسة السينما في المراكز والمعاهد العالمية حتى يؤسسوا لجيل جديد من السينمائيين الذين يجمعون بين الاحتراف والموهبة. ويا تجّارنا الأعزاء ومؤسساتنا البنكية ساهموا في دعم صناعة الأفلام لدينا والتي قد تخلق صناعة سينمائية تضخ الملايين في اقتصادنا الوطني، وتحتوي مئات المبدعين من شبابنا. في الأخير.. تخيلوا فيلماً يكتب قصته عبده خال الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر"، وينتجه محمد التركي الذي أنتج افلاما لريتشارد غير، وسوزان ساراندون وغيرهما من مشاهير هوليود، وأما الإخراج فبالتأكيد لهيفاء المنصور التي أوصلت الفيلم السعودي إلى أعتاب الأوسكار في فئة الأفلام الأجنبية، وإذا كان الخلاف على دور البطولة فأنا جاهز.
مشاركة :