آلة المعجزات الأميركية في حاجة ماسّة إلى معجزة

  • 5/8/2017
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

لما يزيد على نصف القرن، كانت الولايات المتحدة تتولى تشغيل ما يمكن وصفه بـ«آلة المعجزات»، التي تعمل بوقود الاستثمار الفيدرالي في العلوم والتكنولوجيا، وهي الآلة التي تنتج بانتظام تقدماً يخطف الأنفاس. أحدثت آلة المعجزات تحولاً في شكل حياتنا وأعمالنا، وعززت الدفاع القومي، وأحدثت ثورة في الطب، وكانت سبباً في ظهور صناعات كاملة متمحورة حول أجهزة الكومبيوتر، والتكنولوجيا الحيوية، والطاقة، والاتصالات، ووفرت الملايين من فرص العمل. وتعد هي سبب كون أميركا مركزاً عالمياً لتكنولوجيا المستقبل بما فيها من سيارات ذاتية القيادة، وتعديل الخريطة الوراثية، والذكاء الاصطناعي، والعلاج المناعي لمرض السرطان، وأجهزة كومبيوتر الكم، وغيرها من أشكال التكنولوجيا.إن آلتنا موضع حسد العالم، لكن مع ذلك في الوقت الذي تعمل فيه دول أخرى مثل الصين بحماس لصناعة آلة المعجزات الخاصة بها، نتخلى نحن عنها. رغم أن تمويل العلوم والتكنولوجيا كان تاريخياً أولوية تحظى بدعم الحزبين السياسيين، بدأ هذا التمويل يتآكل على مدى العقد الماضي. من الأمثلة الدالة على ذلك؛ انخفاض موازنة معاهد الصحة الوطنية، ووكالة الأبحاث الطبية الفيدرالية، منذ عام 2003 بمقدار 25 في المائة تقريباً.إذا كان الكونغرس وإدارة ترمب يرغبان في ضمان أن تظل الولايات المتحدة الأميركية أقوى دولة في العالم، ينبغي عليهما احتواء ودعم آلة المعجزات. يمثل قانون الإنفاق، الذي أقرّه الكونغرس خلال الأسبوع الحالي، خطوة جيدة، لكن لا تزال الطريق طويلة أمام استعادة الأرض المفقودة، وتعزيز قيادتنا. تعود جذور آلة المعجزات إلى تقرير ظهر خلال الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية كان يسمى «العلوم: الجبهة التي لا نهاية لها». وشهد هذا المخطط قوة الجمع بين محركين متداخلين معاً، وهما القطاع العام والقطاع الخاص، من أجل تحقيق التقدم والابتكار.يوجد في الولايات المتحدة قطاع خاص هو الأكثر نشاطاً وحيوية في العالم، حيث يتوق كل أصحاب المشروعات الرائدة، والمستثمرون، والشركات الكبرى، وأسواق رأس المال، إلى ترخيص الوسائل التكنولوجية، وتدشين المشروعات الناشئة. مع ذلك تحرك التكنولوجيا الناتجة عن البحث الأساسي أكثر تلك المشروعات، وبضع شركات فقط هي التي تقوم بهذه الأبحاث نظراً لصعوبة توقع ثمارها، وبعدها كثيراً عن المجال التجاري، ولأنه من المبكر جداً الحصول على براءة اختراع لها.وهنا يأتي دور الحكومة؛ ففي الوقت الذي لا يبدو فيه الاستثمار في البحث الأساسي منطقياً وذا جدوى بالنسبة إلى مجال الأعمال، يمثل استراتيجية ناجحة لأمتنا. استثمرت حكومتنا الفيدرالية طوال ستين عاماً نحو بنس مقابل كل دولار من موازنة الحكومة الفيدرالية في البحث في الجامعات ومراكز الأبحاث، وتوصلت تلك المؤسسات بدورها إلى سيل من الاكتشافات، وخرّجت أجيالاً مدربة تتمتع بموهبة علمية، وكان هذا هو الوقود الذي تعمل به الشركات الجديدة، والمحرك الذي يوفر الوظائف الجديدة.بالنسبة إلى المبتدئين، حقق الاستثمار في الفضول تجاه معرفة العالم الطبيعي أرباحاً مذهلة. أدى استكشاف البكتريا، التي تتكاثر في الفوارات الحارة أو مناطق الملح، إلى الحصول على وسائل قادرة على إنتاج ملايين النسخ من جزيئات الحمض النووي، وإصلاح الطفرات المسببة للأمراض في الخلايا الحية، واستخدام النبضات الضوئية لاستثارة الخلايا العصبية. أثمرت الدراسات الخاصة بأجنّة ذبابة الفاكهة عقاقير لعلاج مرض سرطان الجلد. أدت الأفكار الأكاديمية، التي تم استلهامها من الخلايا العصبية، في النهاية إلى ثورة الذكاء الاصطناعي التي أحدثت تحولاً في الصناعة اليوم. وقد تبين أن اختراع وسائل قوية دون القلق بشأن كيفية استخدامها تحديداً استراتيجية عامة رائعة. أثمرت دراسات الفيزياء الأساسية، التي يتم تمويلها من خلال الاستثمارات الحكومية، جزيئات محفزة عالية الطاقة تعد حالياً عنصراً أساسياً في تطوير صناعة الدواء، والساعات الذرية، التي تمكن نظام الـ«جي بي إس» من إرشاد المسافرين للوصول إلى وجهاتهم.وقد أدركنا بأنفسنا أن إنتاج وتبادل تلال من المعلومات والبيانات العلمية يمكن أن يوجه كلاً من الاستكشاف والتجارة. حفّز استثمار معاهد الصحة الوطنية في مشروع الخريطة الجينية البشرية، الذي يبلغ حجمه 4 مليارات دولار، الذي شارك أحدنا (لاندر) في رئاسته، فهم مرض البشر بشكل كبير، وضخّ نحو تريليون دولار في النشاط الاقتصادي. يبدو الأمر مثل إيداع 5 دولارات في حساب ادخار لتنمو وتزداد وتصبح 1.250 دولار.أخيراً، أرسى التعامل مع تحديات الهندسة الجديدة أساس صناعات جديدة. في نهاية ستينات القرن الماضي كان الإنترنت هو ثمرة المنح الفيدرالية، التي حصلت عليها الجامعات لاستكشاف تناقل الرسائل بين أجهزة الكومبيوتر. كذلك أسهمت منحة المؤسسة الوطنية للعلوم، التي تبلغ قيمتها 4.5 مليون دولار، إلى جامعة ستانفورد عام 1994 لاستكشاف فكرة المكتبات الرقمية، بعد خمس سنوات في إنشاء شركة «غوغل». اليوم تمثل الضرائب الأميركية، التي تدفعها الشركة سنوياً، إضافة إلى الضرائب، التي يدفعها العاملون بها الذين يزيد عددهم على 40 ألف، والتي تقدر بالمليارات، جزءاً كبيراً من الموازنة السنوية لمؤسسة العلوم الوطنية التي تبلغ 7 مليارات دولار.عندما تثمر الإنجازات العلمية صناعات جديدة وفرص عمل، تكون تلك الفوائد في الولايات المتحدة، وذلك لرغبة الشركات في أن تظل قريبة من مسار الاكتشافات الجديدة، والعاملين ذوي الخبرة. لطالما حققت آلة المعجزات نجاحاً مذهلاً، لكن تكمن المشكلة في أن قليلين هم من يدركون كيفية عمل هذه الآلة، سواء كانوا في الحكومة أو في المجال العام. نتيجة لذلك تركنا هذه الآلة لأيدي العطب. إذا لم نغير هذا النهج، ونستثمر في البحث العلمي، سنخاطر بخسارة أعظم وأكبر مزايا أميركا. وقد يكون الضرر الذي لا يمكن إصلاحه هو أن نستيقظ ذات يوم لنجد الجيل الجديد من التكنولوجيا، والصناعات، والعقاقير، والأسلحة، موجوداً في مكان آخر.*إيريك لاندر رئيس والمدير المؤسس لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد. إيريك شميت هو الرئيس التنفيذي لشركة «ألفابيت» الشركة الأم لـ«غوغل».- خدمة «واشنطن بوست»

مشاركة :