بعد فوز إيمانويل ماكرون برئاسة فرنسا في السابع من مايو/أيار، يدخل الرئيس الجديد معركة جديدة من أجل الحصول على أغلبية برلمانية تمكنه من الحكم بلا تعقيدات وتحقيق وعوده التي قطعها على نفسه إبان حملته الانتخابية الرئاسية. الرهان ليس سهلا مع ضيق الوقت فالانتخابات يزمع إجراؤها على جولتين في 11 و18 يونيو/حزيران وحركة "الجمهورية إلى الأمام" لم تقدم بعد مرشحيها إضافة إلى المنافسة الشرسة من الأحزاب التقليدية واليمين المتطرف. عودة على أهم أحداث اليوم الانتخابي للجولة الثانية من الرئاسيات الفرنسية لم يهمل الرئيس الفرنسي المنتخب إيمانويل ماكرون أهمية ما أسماه الجولة الثالثة من الانتخابات الرئاسية ويعني بها ما سيحدث بعد ستة أسابيع من الآن: الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها على جولتين في 11 و18 يونيو/حزيران 2017. وفي خطابه الذي ألقاه على الآلاف من أنصاره بعد إعلان فوزه بمنصب الرئيس مساء الأحد 7مايو/أيار قال ماكرون: "إن علينا إنجاز مهمة كبيرة بدءا من الغد وهي تكوين وخلق أغلبية برلمانية حقيقية وقوية، أغلبية تنتظرها بل وتستحقها فرنسا، أغلبية من أجل التغيير" حتى ثلاث سنوات مضت لم يكن الرئيس الجديد معروفا بالمرة على الساحة السياسية الفرنسية، كما أن عمر حركته السياسية الجديدة الوسطية "الجمهورية إلى الأمام" لا يزيد عن العام الواحد. وهو بلا خبرة تقريبا في هذا المضمار كما أن أنصاره جلهم من الشباب غير المسيس وغير المنغمس في دهاليز الأحزاب أمر سيصعب عليه بالتالي اختيار نوابه في الجمعية الوطنية (مجلس النواب)، علما أن هذه الجمعية يبلغ عدد مقاعدها 577 مقعدا وهو يحتاج إلى 289 مقعدا للحصول على الأغلبية الكافية لتمرير تشريعاته والاستمرار في إصلاحاته. بدون هذه الأغلبية يدرك ماكرون جيدا أن معركته ستكون خاسرة قبل بدايتها؛ ففرنسا لها نظام مكون من جولتين في كل الانتخابات الوطنية وهو نظام يسمح للناخبين باختيار "أهون الضررين" في فرصة ثانية وهو ما يعني أن شرعية الرئيس المنتخب ستتعزز إذا ما صعد مرشحه للجولة الثانية لأن فرص فوزه فيها ستكون كبيرة. ولا شك أن حركة "الجمهورية إلى الأمام" ستستفيد من حقيقة سياسية مهمة في فرنسا ألا وهي أن الانتخابات التشريعية، وخاصة إذا أردفت الانتخابات الرئاسية مباشرة، تشهد في العادة تراجعا كبيرا في نسبة التصويت فيما بين الناخبين الذين خابت آمالهم وزيادة في الإقبال على التصويت بين الناخبين الذين فاز من منحوه أصواتهم بالرئاسة. وربما يتكرر ما حدث مع الرئيس الاشتراكي المنتهية ولايته فرانسوا هولاند، الذي حصل على أقل من 30 بالمئة في الجولتين الأوليين من الرئاسيات والتشريعيات لكنه تجاوز 40 في المئة في الجولة الثانية من التشريعيات وحكم البلاد بأغلبية مريحة بعد دعم 17 نائبا من حزب الخضر له. لكن ربما تتعقد الأمور قليلا خاصة بعد النسبة القياسية للامتناع عن التصويت وبلغت 25,3% ونسبة التصويت الباطل والأبيض والتي بلغت نحو 10% من الأصوات. وهو ما يعكس قلق نسبة كبيرة من الناخبين من برنامج ماكرون الاقتصادي والاجتماعي. الأجواء عند أنصار ماكرون بعد إلقاء خطابه المعضلة الحقيقية أمام ماكرون تتمثل فيما عليه مواجهته إذا لم يحصل على الأغلبية في الجمعية الوطنية، ولا يجب أن ننسى أن فرنسا لا يزال فيها قوى سياسية كبيرة على الأرض والمعركة التشريعية تختلف حساباتها كثيرا عن المعركة الرئاسية. لا يزال الجمهوريون المحافظون حاضرين بقوة بعد حصول مرشحهم الرئاسي فرانسوا فيون على 20 بالمئة من الكتلة التصويتية، كما أن هناك أيضا الحزب اليساري الراديكالي الجديد "فرنسا الأبية" بزعامة جون-لوك ميلنشون ومصوتوه بلغوا أيضا 20 بالمئة، والحزب "الاشتراكي" التاريخي وحلفاؤه البيئيون اللذين قد تصل نسبة مصوتيهما إلى 10 بالمئة إضافة إلى "الجبهة الوطنية" اليمينية المتطرفة وعلى رأسها مارين لوبان والتي تبلغ قاعدتها التصويتية الآن 22 بالمئة. وكما نرى فالساحة السياسية الفرنسية معقدة ومتشابكة ولن يكون سهلا على ماكرون فك خيوط شبكتها بسهولة دون اللجوء إلى التحالف مع قوة سياسية كبيرة أو الأحزاب الصغيرة. وهو الأمر الذي يمثل فرصة كبيرة لقوة مثل حزب "الجمهوريون" يرى أنه الأقرب لماكرون وتفكيره الاقتصادي الليبرالي المنفتح على السوق العالمية. في حين أن التشريعيات ستمثل أيضا فرصة مهمة لخصوم ماكرون الذين يريدون فرض موديل اقتصادي أكثر اجتماعية عليه، ومن هؤلاء جون-لوك ميلنشون الزعيم اليساري الراديكالي الذي قال في تغريدة تلت إعلان فوز ماكرون "إنه وبعد التصويت بالرفض وضد الخوف يجب على التشريعيات أن تظهر أنه قد حان الوقت لاختيار إيجابي". إضافة إلى البيئيين أيضا وزملائه القدامى في الحزب "الاشتراكي". Les élections législatives doivent montrer quaprès un vote de refus et de peur, il est temps de faire un choix positif. #DirectJLM— Jean-Luc Mélenchon (@JLMelenchon) May 7, 2017 وليس من المستبعد أن تحدث تحولات كبيرة في شكل الخريطة السياسية الفرنسية نتيجة الزلزال الذي أحدثه فوز ماكرون بالرئاسة، فالأحزاب التقليدية تعاني من انشقاقات واضطرابات داخل صفوفها. الحزب "الاشتراكي" فيه تياران متناقضان تماما تيار المرشح الرئاسي المهزوم بونوا هامون صاحب التقاليد الاشتراكية المائلة للتحديث وأنسنة العولمة وتيار رئيس الوزراء السابق مانويل فالس والذي يعتبره كثيرون داخل الحزي مائلا ليمين الوسط أكثر منه اشتراكيا. حزب "الجمهوريون" أيضا به كتلة كبيرة تشعر بأنها وسطية أكثر من كونها يمينية. وهنا ربما يتدخل ماكرون لجذب هذه الكتل المتنافرة مع مراكزها للدخول تحت راية مشروعه الوسطي. وتقريبا هذا ما بدأ يحدث، جان-ماري لوغن الوزير السابق المكلف بالفرانكوفونية والقريب من مانويل فالس أعرب صراحة عن رغبته في الانضمام للأغلبية الرئاسية معللا ذلك بأنه "على اليسار أن يبدأ في الانفتاح وأن يختار بوضوح. وفي المعسكر المقابل نرى برونو لامير الوزير السابق في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي يصرح أيضا بأنه "قادر على العمل مع أغلبية حكومية". .@TF1 Je suis un homme de droite et je le revendique. Mais y a-t-il une incompatibilité majeure avec le projet d@EmmanuelMacron ? Non.— Bruno Le Maire (@BrunoLeMaire) May 7, 2017 إذن بكل وضوح، جميع الاحتمالات مفتوحة أمام إيمانويل ماكرون والأسابيع الستة المقبلة ستشهد حراكا قل حدوثه على الساحة السياسية الفرنسية لكن في النهاية فالناخب وحده هو من سيقرر إذا كان سيعطي ماكرون الفرصة للحكم بأغلبية مريحة أم سيجبره على الدخول في حالة تعايش مع حكومة لا تشاركه الإيمان بمشروعه الرئاسي. حسين عمارة نشرت في : 09/05/2017
مشاركة :