معرض صور ووثائق تونسية لوريث ابن خلدون بقلم: حسونة المصباحي

  • 5/10/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الراحل التونسي حسن حسني عبدالوهاب استعرض في كتابه شهيرات التونسيات صفحات مشرقة من حياة نساء تونسيات لعبن أدوارا مهمة، وتركن بصماتهن على مراحل مختلفة من التاريخ التونسي.العرب حسونة المصباحي [نُشر في 2017/05/10، العدد: 10628، ص(15)]صفحات مشرقة أقامت المكتبة الوطنية بتونس العاصمة مؤخرا معرضا للصور والوثائق المتصلة بحياة ومسيرة المؤرخ التونسي حسن حسني عبدالوهاب (1884-1968) الذي يعتبره أهل الاختصاص وريثا شرعيا للعلامة ابن خلدون. وقد يكونون على حق؛ فقد كان هذا المؤرخ واسع الثقافة، متقنا للغة الفرنسية، وعارفا باللغة التركية، وعالما بأصول وآداب اللغة العربية، وبمراحل مفصلية في التاريخ التونسي انطلاقا من العهود الفينيقية، وصولا إلى العهود الإسلامية. وفي ذلك أصدر العديد من الكتب المرجعية مثل “خلاصة تاريخ تونس”، و”مجمل تاريخ الأدب التونسي”، و”بساط العقيق في حضارة القيروان وشاعرها ابن رشيق”، و”ورقات عن الحضارة العربية في إفريقية التونسية” وهو مؤلفه الأهم حتى أنه سماه ”كتاب العمر”. في كتابه “شهيرات التونسيات” استعرض عبدالوهاب صفحات مشرقة من حياة نساء تونسيات لعبن أدوارا مهمة، سياسية وثقافية واجتماعية وغيرها، وتركن بصماتهن واضحة على مراحل مختلفة من التاريخ التونسي. والأميرة عزيزة عثمانه (القرن السابع عشر) أشهرهن؛ فبعد أدائها لفريضة الحج أعتقت عبيدها، وانصرفت إلى الأعمال الخيرية لمساعة الفقراء والمساكين والمرضى. ولا تزال مآثرها ماثلة في الذاكرة التونسية إلى حد هذه الساعة. ينتمي المؤرخ حسن حسني عبدالوهاب إلى عائلة من أصول أندلسية عرفت بحبها للعلم. كما تقلد البعض من أفرادها وظائف سامية سياسية وإدارية. في البداية درس عبدالوهاب في جامع الزيتونة، بعدها انتسب إلى أول مدرسة فرنسية، ثم إلى المدرسة الصادقية التي أسسها المصلح خيرالدين باشا، ومنها تخرج العديد من رموز النخبة الوطنية التونسية. وفي مطلع القرن العشرين انتقل إلى فرنسا ليواصل دراسته. وبعد عودته إلى تونس عام 1904 حصل على العديد من الوظائف السامية، فكان رئيسا لخزينة المحفوظات التونسية. وقد ساعده عمله هذا على الإطلاع على خفايا التاريخ التونسي في مجمل مراحله. وبين الحربين العالميتين، كان عبدالوهاب عاملا (محافظا) في مناطق مختلفة من المملكة التونسية. في عام 1943، تقلد منصب وزير القلم. وقد ظل في هذا المنصب حتى عام 1947. وبعد حصول تونس على استقلالها عام 1956، عين حسن حسني عبدالوهاب مديرا لمعهد الآثار. وبرعاية منه أقيمت في العاصمة التونسية خمسة متاحف تعكس التاريخ الروماني والإسلامي في البلاد التونسية. إلا أن مهامه الإدارية لم تمنعه من مواصلة التأليف والبحث، والسفر إلى عواصم عربية وأجنبية لحضور مؤتمرات عالمية. وفي مجمل مؤلفاته، اهتم حسن حسني عبدالوهاب بالهوية التونسية للرد على المتفرنسين، والمشككين في المنزلة الحضارية للبلاد التونسية. في بداية كتابه المرجعي “كتاب العمر”، يشير إلى أن المتأمّل في تاريخ تونس “يرى من تصاريف الأمور، وتقلبات الشؤون ما يبعث أول وهلة على الحيرة والدهشة، وذلك بما يعرض له في سياق الأحداث من المفارقات والمتناقضات”. وفي تحديد الهوية التونسية، يرى عبدالوهاب أن الأمم التي وفدت على البلاد التونسية مثل الفينيقيين، والرومان، والروم البيزنطيين، ثم الإسبان، والترك، والأوروبيين انطلاقا من القرن التاسع عشر، أثرت “في أصول تنظيماتها، وصور تشكيلاتها، وطرائق معاشها، وأنواع فنونها، وصنوف لغاتها”.المؤرخ كان واسع الثقافة، متقنا للغات، وعالما بالآداب العربية، وبمراحل مفصلية في التاريخ التونسي والعربي لذا يؤكد أن التونسيين اقتبسوا من القرطاجنيين الملاحة والتجارة والمقايضة وفلح الأرض وغراسة الأشجار، ومن الرومانيين أخذوا سنّ القوانين وتنظيم المدينة وتعبيد الطرقات واستخراج المعادن وجلب المياه وتشييد الهياكل. وتأثروا بترف الروم البيزنطيين في العيش، وبملاهيهم وحبهم للملذات، وبتأنقهم في المأكل والملبس، وبالتكلف والتبذير. أما العرب فأخذوا منهم اللغة والدين ومكارم الأخلاق والعدل وفصاحة اللسان وحماية العشيرة. ومن الأوروبيين أخذوا مضاء العزم وانتهاز الفرص والترتيب والنظام. لذلك يعتقد حسن حسني عبدالوهاب أن المجتمع التونسي اليوم “هو صفوة ما اجتمع فوق أديم بلاده من المدنيات الكثيرة المتنوعة، وليس يعوزه من الوسائل المتممة لرقيّه سوى ماء الفراغ المعد لقبول المدنية العصرية وضمها إليه ليكون الوارث الحقيقي لسائر مدنيات الأمم”. ويعكس هذا التحديد رؤية تنويرية حداثة تميزت بها النخبة منذ عهد الإصلاح الذي أحدثه خيرالدين باشا التونسي في النصف الثاني من القرن الـ19.

مشاركة :