في الشهر الرابع من عام 1919، تحديدًا بعد أقل من شهرين من قيام الثورة، كتبَ طالب الحقوق المصري، محمد بدوي البيلي، مقالاً نُشر في جريدة «الأهرام»، مطالبًا بإنشاء بنك مصر برأس مال وطني، ليعتبر الجميع تلك المقالة بذرة فكرة إنشاء «بنك مصر». يذكُر دكتور يونان لبيب رزق،في كتابه المعنّون بـ «فؤاد الأول المعلوم والمجهول»، أن هناك حملة صحفية كبيرة، شاركَ فيها الطلبة والكتاب والصحفيين بمقالاتهم وأعمدتهم، حتى أصبح قيام هذا البنك مطلبا شعبيا هاما، بعد إطلاق الحملة، لم يمُر عليها شهرين حتى نشرت الصحف عدد من الأخبار التى تقول إن رجال الأعمال والأفندية قد بدأوا في تأسيس بنك وطني، معتمدًا على رأس مال مصري. وبعد مرور سنة، أي في 5 أبريل 1920، صدرَ المرسوم السلطاني من سلطان مصر، أحمد فؤاد، ينص على تأسيس شركة مساهمة تحت اسم «بنك مصر»، منافسًا «البنك الأهلي»، الذى يمثل سلطة الاحتلال الاقتصادي الانجليزي لمصر، باشتراك 5 مساهمين مصريين هُم، أحمد مدحت يكن باشا، يوسف أصلان قطاوي باشا، محمد طلعت حرب بك، عبد العظيم المصري بك، عبد الحميد السيوفي بك، الطبيب فؤاد سلطان بك، اسكندر مسيحة أفندي، وعباس بسيوني الخطيب أفندي. أحاطَ إنشاء «بنك مصر» ظروف اقتصادية واجتماعية، كان حينها الشارع المصري في حالة ثورة مصغَّرة في أعقاب ثورة 1919، فلم يرفُض المحتل فكرة إنشاء البنك، حيث رأى الانجليز أن بنك مصر بما لهُ من رأس مال صغير، لن يصمد أمام «البنك الأهلي»، بالإضافة إلى قلة خبرة المصريين، وفقًا لرؤية دكتور يونان لبيب. جاء يوم تدشين البنك، 10 مايو 1920، وحينها ألقى طلعت حرب خطبة في دار الأوبرا المصرية، الذى تم تأسيسه في شارع «الشيخ أبو السباع»، المُسمى بـ «صبري أبو علم» حاليًا، مؤكدًا على الحفاظ على الثروة الوطنية، كما خصص شعارًا أنه ليس بنكًا تجاريًا وإنما مهمته إدخال التصنيع إلى مصر وتشجيع التجارة، وخصص المشروع جزء كبير منهُ للمشاريع الاقتصادية القومية، مثل انشاء شركات للسياحة، الأقطان، الغزل، النسيج، التمثيل، والسينما، وفقًا للمعلومات الواردة في موقع «فاروق مصر». كان طلعت حرب «دينامو» البنك حرفيًا، ينهض مبكرًا ويبدأ العمل في السادسة صباحًا، ويصدُر التعليمات إلى رجاله، لمدة 5 سنوات بمعدل 15 ساعة يوميًا، بدون مقابل، وقد استفاد كثيراً عندما ارتبط في بداية حياته بعلاقة وثيقة مع عمر باشا سلطان مما أكسبه الكثير من الخبرات الإقتصادية والإدارية وفي اتصاله بالحركة الوطنية أيام الخديوي عباس حلمي الثاني. «من حسبَ كسب»، شعارًا سار به طلعت حرب، وسط إتهامات روجها الإحتلال الإنجليزي تقول إن الشعب المصري لا يعرف إلا الزراعة ولا يُجيد الأعمال الاقتصادية أو الصناعية، فيما كتب عنهُ «جاك بيرك»: «ميزة طلعت حرب الأولى كانت في إدراكه للقوة الكامنة والإمكانات الهائلة التي لم تستغل بعد عند مواطنيه». أضافَ طلعت حرب بعدًا أخلاقيًا للبنك، حيث أصدر قراراً بعدم تمويل بنك مصر لأي مشروعات «تسيء إلى الخلق العام، وكرامة الإنسان، كما حرص البنك على مساعدة صغار الصناع والحرفيين للصمود أمام سيطرة المنتجات الإنجليزية على السوق المصرية ومنافستها وكما شجع البنك قيام شركات المقاولات المصرية ودعمها ماليا بكسر احتكار الأجانب لهذه المشروعات حيث كان الأجانب يقرضون الفلاحين والجمعيات التعاونية بضمان الأرض فإن عجزوا عن السداد يتم الاستيلاء على الأرض المرهونة»، وفقًا لموقع «فاروق مصر». استطاع طلعت حرب أيضًا أن يتصدى لهذه السياسة الإستعمارية ليتم الحفاظ على ثروة مصر من الأرض الزراعية، وقد طلب البنك من الحكومة المصرية إنشاء البنك العقاري المصري ليتولى عمليات الدعم للنشاط الزراعي في جميع أنحاء مصر، وفقا للموقع المذكور سابقًا.
مشاركة :