عبد المنعم سعيد يكتب: القضية الفلسطينية مجدداً !

  • 5/10/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

كانت «القضية الفلسطينية» هى قضية جيلنا، عشنا من أجلها الطفولة والصبا، ومع الشباب كانت القضية «المركزية» قد اختلطت مع قضية الأراضى العربية المحتلة فى يونيو ١٩٦٧. وبعد التخرج من الجامعة كان اللحاق بعملية تحرير فى أكتوبر ١٩٧٣ لكى تكون مقدمة وسبيلا، لاستعادة الأرض المصرية. وعندما عادت سيناء كان العالم العربى قد ذهب إلى فاس بمبادرة لا تختلف كثيرا فى جوهرها عن مبادرة الرئيس السادات؛ ولكنه فى كل الأحوال قد ذهب إلى نقطة جديدة للجاذبية تمثلت فى الحرب العراقيةـ الإيرانية التى امتصت الطاقة والأموال والموارد على مدى ثمانية أعوام. وعندما جرت حرب الخليج الثانية لتحرير الكويت كان المناخ العام الإقليمى والدولى قد تغير؛ وحتى الانتفاضة الفلسطينية الأولى التى سبقتها أخذت فى التلاشى التدريجى، ولم يكن هناك بد من أن تفضى إلى الطريق الجديد لأسلو. وبعد حرب عقد من السنوات كانت حرب الخليج الثالثة بالغزو الأمريكى للعراق قد نشبت لكى تنتهى بعد عقد آخر فى الألفية الثالثة وقد انفجرت هذه المرة على الحدود العراقية السورية فى حرب «داعشية» دمرت سوريا والعراق معا. باختصار لم تعد القضية «مركزية» كما تعودنا قبل عقود، فلم تعد وحدها الأرض التى راحت، ولم يعد فيها احتكار لحق اللاجئين فى العودة، بعد أن خرج الملايين فى بلاد عربية أخرى بحثا عن اللجوء إما فى دول عربية أخرى مجاورة، أو لدى دول شرق أوسطية، أو عبر البحر وفى جوفه فى الطريق إلى دول الشمال الأوروبى. أصبحت القضية قضايا، وأصبحت القضايا نزيفا مستمرا، وموتا تعدى مئات الألوف، وتعدى عدد اللاجئين والنازحين عشرة ملايين. لم يعد الألم احتكارا فلسطينيا، بل تعداه إلى الأغلبية العظمى من البلدان العربية. وبعد خمسين عاما من التلامس مع القضية بأشكال مختلفة فإن ذكراها فى مصر باتت ترتبط بمناسبة أو بأخرى، إذا ذهب وزير الخارجية لاستكشاف طريق للتسوية أو بحث عن سبيل للسلام؛ أو إذا توفى شيمون بيريز وحضر جنازته أكثر من سبعين رئيس دولة، أو جاء موعد أو تاريخ حرب أو قرار للأمم المتحدة. وفى كل مرة فإن ترديد أناشيد بعينها تصير واجبا، وما إن يأتى المساء أو يغيب الليل فإن اليوم التالى يكون فى مكان آخر أكثر دموية من ذلك الذى كان قبله، ولكن بعضنا ساعتها يعيش حالة من راحة الضمير بعد قول حماسى. وكأن الزمن لم يمر، ولا الحقائق تغيرت، ولا بقى المركز فى مركزه. الحقيقة المرة هى أن الأشقاء الفلسطينيين قد باتوا أربع جماعات سياسية: هؤلاء الذين فى المنفى عربيا كان أو غربيا، وهؤلاء داخل إسرائيل، وهؤلاء فى الضفة الغربية، وهؤلاء فى غزة. انقسمت الدولة قبل أن تقوم على أرض الواقع وأصبح لدى العالم كيانان سياسيان لا يجمعهما سويا إلا اتهامات متبادلة بالعمالة لطرف دولى أو آخر؛ وعلاقة خاصة مع إسرائيل لا يمكن بدونها الحياة أو الخروج أو الدخول، وفى أحيان الحصول على العلاج للأهل أو الأصدقاء. فى كل الأحوال صار «الشيكل» هو العملة شبه الرسمية للتفاعل والتعامل داخل الكيانات الفلسطينية لأن العملة الفلسطينية باتت بعيدة المنال فعليا وزمنيا، ولأن الجنيه المصرى والدينار الأردنى لم يعودا كما كانا فى أزمنة سابقة. باختصار ورغم الاحتجاج من وقت لآخر، والمزايدة فى الداخل الفلسطينى بين طرف وآخر، فإن حالة الاندماج والتكامل بين إسرائيل والأطراف الفلسطينية بات أقوى من أى وقت مضى. الجديد فى الأمر فوق ما فات، إن فكرة الدولة الواحدة باتت مطروحة فى الداخل الفلسطينى، والداخل الإسرائيلى أيضا. وراء الفكرة مجموعة أسباب: أن الواقع لا يمكنه الاستمرار على ما هو عليه من مرارة، خاصة أن لهب ما يجرى فى سوريا والعراق ولبنان حارق بشدة؛ وأن حل الدولتين بات مستحيلا على ضوء المستوطنات الإسرائيلية التى انتشرت فى الأرض الفلسطينية، وبات هناك بين البحر (الأبيض) والنهر (الأردن) ما يقارب ١٢ مليون نسمة، نصفهم من الفلسطينيين ونصفهم الآخر من اليهود، وعلى ضوء الانقسام الفلسطيني؛ وأن لا الحل السياسى ولا العسكرى بات له أفق أو سبيل. وفى الداخل الفلسطينى، خاصة بين الأجيال الجديدة التى لا تريد الانتظار كما انتظرت أجيالا قبلها، فإن الدولة الواحدة مع المطالبة بالمساواة يمكنها أن تصير تحقيقا لحلم قديم عن الدولة الديمقراطية العلمانية، وتحريرا لفلسطين من ناحية أخرى. الفكرة ذاتها موجودة لدى إسرائيليين، وشباب أيضا يرون أن الدولة الواحدة يمكن أن تكون حلا لمعضلات كثيرة، ولكنها فى ذات الوقت تحقيق لما يعتبرونه أرض إسرائيل التاريخية. المسافة هكذا بين التصورين الإسرائيلى والفلسطينى بعيدة كما كانت ساعة ما كان مطروحا حل الدولتين الديمقراطيتين المتجاورتين؛ ولكن طرح هذه التصورات هى المدخل الطبيعى لبداية الحديث عن دولة مركبة تماثل تجارب دول أخرى مثل بلجيكا وسويسرا والهند وجنوب أفريقيا وسنغافورة وماليزيا والبوسنة، حيث تجتمع أجناس وأديان ولغات وفيها تستخدم أدوات الأغلبية ذات الثقل الخاص فى اتخاذ القرارات، مع اشتراط الإجماع فى قرارات أخرى، والتمييز الإيجابى لمراحل زمنية. باختصار هناك أفكار مشتقة من الفيدرالية والكونفيدرالية ومركبة بينها يشترط فيها الاستعداد للتعايش والرغبة فى السلام. بالطبع فإن هناك من يحلم فى إسرائيل بنوع من كانتونات جنوب أفريقيا سابقا؛ ومن يحلم بين الفلسطينيين فى كانتونات أقرب إلى تلك الموجودة فى سويسرا. القصد من هذا العرض أن ما يجرى فى فلسطين وإسرائيل لم يعد كما كان من قبل، وهناك أشكال مختلفة من التفكير لا تتناسب مع الشائع فى بلدان عربية وفى مقدمتها مصر. وعندما ذهب أبومازن لكى يحضر جنازة شيمون بيريز كانت الملاحظة أن أعضاء الكنيسيت الإسرائيلى من الفلسطينيين لم يحضروا، بينما ذهب عمد المدن والقرى العربية إلى ساحة العزاء فى مركز بيريز للسلام. تنوعت السلوكيات أمام الوفاة، ولكنها فى كل الأحوال عكست واقعا متنوعا ومتوترا بين تاريخ لا يبدو أنه يريد مغادرة الماضى، ومستقبل لا يعرف أحد عما إذا كان سيأتى أو يظل غائبا. الثابت فى الموضوع أن لا أحد فى العالم أو فى المنطقة العربية بات يعطى الموضوع ما يكفى من الاهتمام الذى كان يحصل عليه من قبل. وفى الحملة الانتخابية الأمريكية لم يأت ذكر ملموس للقضية، ولا وردت ذات مرة فى مناظرات هيلارى كلينتون أو دونالد ترامب، وربما يكون الرئيس الأمريكى القادم هو أول الرؤساء الذى لا تكون القضية الفلسطينية على جدول أعماله. وحتى روسيا ذات العلاقة القديمة بالقضية إلا أن غيابها على جدول أعمال بوتين الشرق الأوسطية مدوٍ. أوروبا وحدها التى لا يزال لديها بعض من الاهتمام الإنسانى، ولكن مع ما جرى فى بقية المنطقة فإن الفلسطينيين لم يعودوا أكثر من فى الشرق الأوسط تعاسة. ولا داعى لتتبع مواقف وأحوال دول أخرى مثل الهند والصين واليابان فلكل منها ما يهتم به ويشغله. كل ذلك يعرفه الفلسطينيون عن ظهر قلب، وبقدر ما يعرفون بانشغال الدنيا بأمور أخرى فإنهم يعرفون أن طريقهم إلى إقامة كيان موحد يبدو بعيدا بُعد السماء السابعة بعد أن قررت حماس الاستقلال بغزة، وبعد أن قررت السلطة الوطنية الفلسطينية أنه لا سبيل لعقد انتخابات حتى لو كانت محلية فى الضفة الغربية وغزة معا. لم يعد هناك مفر من البحث عن التفكير وطرق جديدة للتعامل مع واقع مؤلم جاء الألم فيه ليس بالضرورة من الأعداء وهو واقف عند كل نقطة تفتيش، أو من الأشقاء كما يعلمه من يعيشون فى معسكر اليرموك، أو حتى فى غزة حيث فلسطينيون آخرون يعيشون حلم الخلافة بأكثر مما يحلمون بتقرير مصير الفلسطينيين على أرضهم.   نقلا عن صحيفة المصري اليومشارك هذا الموضوع:اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)

مشاركة :