تعمل هيئات حقوق الطفل والهجرة واللاجئين بالاتحاد الأوروبي فيما بينها لإصلاح الخلل الملحوظ المعترف به في التركيز على الطفل وتعميم الجندر في الاستجابات الأولية المتبعة بعد الارتفاع الحاد في عدد الأطفال الوافدين، الذين أصبحت نسبتهم تمثل 35 في المئة من إجمالي الوافدين في آذار (مارس) 2016. لكنَّ التشرّذم والانفصام اللذين تشهدهما العلاقات بين الأحكام القانونية والضمانات في الاتحاد للأطفال من تعليمات وضوابط مختلفة يجعلانهم في البلاد المستضيفة خاضعين لقوانين وسياسات واستحقاقات متباينة وغير متناسقة تختلف باختلاف مراحل عملية اللجوء والهجرة، مع أنَّ حاجاتهم ومصالحهم وحقوقهم تبقى على حالها، إضافة إلى أنَّ الأهمية التي تمنحها التشريعات الوطنية لهجرة الطفل أو صفته كلاجئ في تحديد استحقاقه للخدمات تتناقض مع الفعالية المجرّبة للمقاربة الشمولية المرتكزة إلى الطفل التي كثيراً ما تتبناها هيئات الأطفال. وكلمة «مهاجر» من الكلمات التي يزداد استخدامها في الخطاب العامّ لوصف الأطفال الذين عبروا البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا في العامين الماضيين، وذلك كمسوِّغ لهذه المقاربة المهتمة بحقوق الطفل. لكنَّ هذا الاستخدام لا يعكس تغييراً في الرأي العام ولا يعززه ما يولِّد إستجابة أقل عطفاً، بل يقلل من قيمة تجارب الأطفال في التهجير والنزاع، وينطوي على ذلك التزام على عاتق الدول لتأمين الحماية لهم. واستخدام كلمة «مهاجر» كوصف شامل يشوّش على صفتهم الرئيسية كأطفال، تلك الصفة التي تنطوي عليها حاجاتهم وحقوقهم واستحقاقاتهم للخدمات الأساسية المطلوبة لضمان نموهم بسلامة وصحة. ولا يزال مبدأ «الطفل أولاً وآخراً» يلاقي صعوبات في توحيد آلية تطبيقه ونطاق شموليته في أوروبا، وعلى رغم وجود إطار عام داعم للتشريع والسياسة الأوروبيتين إضافة إلى عدد كبير من نماذج الممارسات الجيدة في بعض البلدان، يلازم الضعف المزمن معظم منظومات الهجرة واللجوء وحقوق الأطفال وخدماتها، ويحد من قدرتها على توفير الدعم والحماية اللازمين للأطفال اللاجئين والمهاجرين المنصوص عليهما في القوانين الدولية وقوانين الاتحاد الأوروبي. وبالنسبة الى الأطفال، لن يكون التمييز بين مصطلحات مثل «مهاجر» و «لاجئ» و «طالب لجوء» مجرّد مسألة تنصبُّ في علم المعاني والمترادفات اللفظية. فمجموع التشريعات والقوانين والأحكام القضائية التي تكوّن بنية قانون الاتحاد الأوروبي المعروفة بمجموعة التشريعات الأوروبية الخاصة باللجوء والهجرة تقبل تأويلات متعددة على المستوى الوطني، وتسمح بتصنيف الأطفال ضمن فئات تمايز بينهم من ناحية الصفة والاستحقاقات القانونية. وهذه الطريقة في تصنيف الأطفال تمثل عائقاً رئيساً أمام وصولهم إلى خدمات الرعاية الصحية والحماية والتعليم في البلد المستضيف. ونتيجة لذلك، تُضطر الأسر إلى التفاعل مع نظام متقلّب إذا أرادت الوصول إلى خدمات الأطفال تزامناً مع انتقالهم (أو نقلهم) خلال مراحل الهجرة واللجوء أو في فترات بينها. ويُحرَم أطفالهم من الدعم المتناسق والمتكامل على غرار ما هو متاح للباقين الأطفال الذين يعيشون في البلد. التعليم والرعاية الصحية التَّعليم المدرسي الأساسي حق تعترف به البلدان الأوروبية بموجب قانون اتحادها للهجرة، غير أن جودة التدريس المقدّم للأطفال اللاجئين والمهاجرين تعتمد على وضعهم في أثناء الهجرة أو عملية طلب اللجوء أكثر مما تعتمد على حاجاتهم التعليمية. وفي حالة طالبي اللجوء، يسمح القانون للســلــطات التعــلــيمية الوطنية تأجيل وصول الأطـــفال إلى المدرســة مـــدة لا تــزيد على ثـــلاثة أشهر بعد تقديـــمهم طلب اللــجوء، أو قد تُدخلهم في صفوف في مراكز الاستــقبال أو الإيواء لا ترقى إلى المستوى التعليمي الذي تقدّمه المدارس المحلية. ويزداد الوضع سوءاً في حالة الأطفال الذين لا يحملون وثائق رسمية، لأن 10 بلدان أعضاء في الاتحاد فقط تعترف بحق هؤلاء في الدراسة، في حين أن 5 بلدان أخرى تمنعهم منها صراحة، ويبقى حقهم في التعليم في بلدان أخرى محاطاً بالغموض. ويواجه الوصول إلى التعليم المدرسي غير الإلزامي والتعليم المبكر للأطفال والتدريب المهني والتعليم العالي، صعوبات خاصة. ومع أنَّ وصول اللاجئين والمهاجرين إلى الخدمات الصحية الطارئة من الأمور المضمونة في أوروبا، يعتمد وصول الأطفال لتلك الخدمات اعتماداً كبيراً على وضعهم القانوني. فقد يترتّب على الأطفال من آباء أو أمهات من أصول غير أوروبية أن يحصلوا على الإقامة الدائمة ليتمكنوا من الوصول إلى الخدمات الصحية، إلا أن حقهم حتى في هذه الحالة قد يكون مقيَّداً. وبموجب قانون الاتحاد الأوروبي، يتعيّن على البلدان الأعضاء ضمان إمكانية حصول الأطفال اللاجئين وطالبي اللجوء على الرعاية الصحية الملائمة التي لا تقلّ عمّا يستفيد منه المواطنون، إلا أنَّ هذه الرعاية قد تقتصر على «الخدمات الأســاسية». فيحقّ للأطفال غير المصحوبين ببالغين في 25 من البلدان الأعضاء الحصول على الرعاية الصحية والعــلاج الطارئ، لكن ذلك لا يشتمل بالضرورة على خدمات الطفل الصحية واللقاحات. كما يحقّ للأطفال المهاجرين الذين لا يحملون وثائق رسمية الحصول بموجب القانون على الرعاية الصحية الطارئة في بلدان الاتحاد، علماً أنَّ 8 منهـــا فقــط توفّر لهم رعاية صحية تضاهي ما يُقدّم للمواطنين، بيــنما تحصر 6 منها هذه الرعاية بما هو طارئ فقــط، وتسمح 12 دولة للمهاجرين غير حاملي وثائق رسمية الحصول المقيّد إلى خدمات خاصة، منها رعاية الأمومة ومعالجة مرض نقص المناعة المكـــتسبة والأمراض المعدية. كما أن بعض الدول تمنح حقوقاً إضافية لفئات من الأطفال الذين لا يحملون وثائق، بينما يُحرَمون في بلدان أخرى من الرعاية الصحية بسبب شروط التأمين الصحي أو عوائق إدارية أخرى، فضلاً عن القيود المفروضة على الأسر المهاجرة الطالبة اللجوء في ما يتعلق بالسكن والعمل، ما يؤثر أيضاً على الأطفال. ويتضاعف هذا الأثر بعجز أنظمة الرفاه الإجتماعي الوطنية بتوفير شبكة كافية للأمان الإجتماعي. وبما أنَّه من واجب الدول ضمان تقديم الحماية الفاعلة للأطفال، فذلك يستلزم مسؤوليتها في تبنّي إجراءات وضمانات رامية إلى ذلك. لكنَّ التباين في استحقاقات الأطفال اللاجئين والمهاجرين في الخدمات على أساس صفتهم القانونية يعرّض كثيرين منهم للخطر. وقد اتخذ الاتحاد الأوروبي إجراءات لمكافحة الجرائم العابرة للحدود وخصوصاً تلك التي تتعلّق بالعنف واســتخدام الأطفال في مواد إباحية، أو الإتجار بهم أو تشغيلهم قسراً (...). ترجمة واقعية يعاني الأطفال خلال طريقهم إلى أوروبا من صعوبات وصدمات نفسية بل قد يتعرضون لاعتداءات إضافة إلى استمرار التوتر الذي يعيشونه في حياتهم وهيمنة الغموض على مصيرهم بعد وصولهم. كل ذلك لا بد من أن يؤهلهم لأحقية الحصول على مزيد من الدعم والحماية لهم، لكن هذا الأمر يجب أن يُترجم واقعاً من خلال رسم الاستراتيجيات وخطط العمل الوطنية لحماية الأطفال. ومن حيث المبدأ، لا تقصي الأنظمة الوطنية لحماية الطفل الأطفال المهاجرين، غير أن السياسات واللوائح التنظيمية والموارد غير متاحة دائماً لتسهيل حصول هؤلاء إلى خدمات الحماية العامة. فمعظم بلدان الاتحاد، مثلاً، توفر دور إيواء للمشردين لا يدخلها إلا من لديهم تصريح بالإقامة أو سجل للضمان الإجتماعي، ما يبقي النساء والأطفال اللاجئين والمهاجرين عالقين في علاقات عنيفة أو مهينة. ومع أن مجموعة التشريعات الأوروبية حول الهجرة لا تخلو من مواطن ضعف، لا تزال تمثل خياراً جيداً لتعزيز التكافؤ في حق حصول الأطفال على الخدمات بغض النظر عن صفتهم القانونية. ومع أنَّ مجموعة التشريعات الأوروبية للهجرة لم تُصمم خصيصاً كإطار لحقوق الأطفال، فهي تجد الدعم من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، كما يدعمها التزام الاتحاد الأوروبي بهذه الحقوق بموجب دليل القانون الأوروبي الخاص بذلك. وتعزز هذه التشريعات انتهاج مقاربة متكاملة ومتناغمة ومتناسقة ومرتكزة إلى الطفل في ما يتعلّق باللجوء والهجرة على المستوى الوطني، من خلال معايير يجب استيفاؤها، ووضع إطار للدعم والتوجيه خاص بتطوير ما يتعلّق بالطفل من قوانين وسياسات وأسس وممارسات وتطبيقها وإنفاذها وتعزيزها (...).
مشاركة :