يبلع الهيب ويغص بالإبرة

  • 5/11/2017
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

كثير منا يعرف هذا المثل القائل: «يبلع هيب ويغص بإبرة»! كناية عن الشخص الذي يتغاضى عن أمور كبيرة ومهمة، خطيرة وجذرية في موضوعها، بينما يتوقف عند أمور صغيرة، لا تصل أبدا إلى أهمية تلك التي جعل منها شأنا كبيرا، وهي في حقيقة الأمر أهون من القضايا التي لم يلتفت إليها. وهذا النوع من الناس يكاد يكون من فئة الأنانيين بشدة، إن كانت تلك الصغائر تهمه شخصيا، أو تدخل في مصالحه، فيما القضايا الأهم التي تركها ليست كذلك، أو هي مما يخص الشأن العام، الذي لا يهتم به الأنانيون كثيرا. وربما يكون من فئة ضعاف التفكير، الذين لا يمكنهم الربط المنطقي بين القضايا المختلفة، ولا يستطيعون ترتيب الأولويات، ليعطوا كل صنف حقه من هامش التفكير، وكذلك من صرف الطاقة والاستعداد لما يمكن أن يحدث مع ملاحظة بروز العوامل التي قد تصنع تغيرا في ظروف الحياة أو عناصر التفاعل الضروري معها. أطلنا في المقدمة النظرية الفلسفية، لكنها مهمة لتبيين أسباب الكتابة في مثل هذه الموضوعات، والحفر في مسببات نشأة بعض الاتجاهات الفكرية، التي تتمخض عنها بعض السلوكيات التي تصبح علامة فارقة لأصحابها، أو الدائرين في فلك أي من تلك الاتجاهات الفكرية. فمن المظاهر الدالة على انتماء صاحب السلوك إلى الفئة الأولى، أن يكون المحيطون به أو العارفون بسلوكه وطريقة تفكيره قادرين على التنبؤ بما يمكن أن يكون لديه من دوافع في نقاشاته أو كتاباته أو اقتراحاته. وفي حالات الانتماء القوي إلى هذا التيار، يصبح المرء غير مقبول في أوساطه الاجتماعية، بصفته نشازا عن النسيج الاجتماعي، الذي يفترض أن تكون اهتماماته متنوعة، بين ما يخصه هو شخصيا، وما يخص الآخرين بوصفهم أفرادا يشتركون معه في بيئته الرسمية أو الاجتماعية، أو حتى التنويع بين اهتماماته والاهتمامات العامة في الوسط الذي يعيش فيه، ويتأثر به -بكل تأكيد- إيجابا أو سلبا. ومن أمثلة هذا النوع الكتاب الصحفيون الذين كانت تُعرف نشاطاتهم من خلال ما يكتبون في أعمدتهم اليومية أو الأسبوعية. أما النوع الخاص الذي لا ينتمي إلى جماعة الأنانيين، فهم ضعاف التفكير، الذين لا يستطيعون التمييز بين أهمية الموضوعات الصغيرة التي يتحمسون لها، وبين ما يغفلونه من عناصر مؤثرة، وتستحق أن تستحوذ على اهتمام من يقترح أو يكتب أو ينتقد أو يشيد بشيء من المواضع الإيجابية. وهذا الصنف يكثر بين المسؤولين ورجال الأعمال أو حشود البيروقراطية، الذين يرون الصورة الأولية المقابلة لهم تملأ الأفق، فلا يريدون أو لا يستطيعون أن يتعدوا حدود تلك الصورة المرسومة. ورد إلى ذهني تصنيف هذه الجماعة، وأنا أتابع مشهدا انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي لرجل يصور بجواله، وهو يقود سيارته، ثعبانا متوسط الحجم يتجول بين مسارات الدائري الشرقي في مدينة الرياض. وهذا المتطوع بالتصوير، الذي قد يكون مخلصا أو ناصحا للناس بالاهتمام والحذر من تلك الأخطار حتى في المدن، لم يدرك أنه يمارس خطرا أكبر بكثير مما يشكله ذلك الثعبان، الذي قد تدهسه إحدى السيارات على الطريق المزدحم. أما هذا المعلق الذي توقفت سيارته بالكامل على طريق سريع، فقد يمثل خطرا كبيرا على الطريق، لكنه إزاء شهوته في نقل الحدث مباشرة نسي كل ذلك.

مشاركة :