أثناء الحملة الانتخابية لتشريعيات 2012 كتبت مقالاً صغيراً عنونته بـ: "لهذه الأسباب لن أنتخب"، الآن وبعد خمس سنوات وانقضاء العهدة البرلمانية راجعت نظرتي للانتخابات. ما الذي تغير خلال هذه المدة أو تحسن في عمل وخطاب السياسيين خصوصاً تحت قبة البرلمان جعلني أغير نظرتي؟ الجواب هو لا شيء، بل من الممكن أن الأمور زادت سوءاً. فما سمعناه وما رأيناه أثناء هذه الحملة من خطاب شعبوي ووعود، في غياب البرامج، يظهر أن المترشحين للوصول للبرلمان يجهلون أصلاً حتى عمل وصلاحيات السلطة التشريعية التي يسعون إليها. أما نحن فقمنا بما قمنا به في الانتخابات التشريعية الماضية من مقاطعة تجمعاتهم، التي يسمونها "مهرجانات" أو "أعراس"، وانتقادهم وحتى السخرية منهم -وكنا محقين في كثير من الأحيان- لكن بالمقابل لم نعمل كثيراً لا أثناء الحملة الانتخابية في 2012 ولا أثناء العهدة البرلمانية ولا حتى الآن. انتخابات 2012 أوصلت للبرلمان ومنحت صلاحية تمثيل المواطنين لأناس ليس فقط لم يقرأوا كتاباً بل لا يقرأون حتى مشاريع القوانين لمناقشتها والتصويت عليها ففشلوا فشلاً ذريعاً للقيام بعملهم المتمثل في مراقبة عمل السلطة التنفيذية والتشريع. نحن أيضا كمواطنين، يجب التذكير به أيضاً، لم نمارس واجبنا في مراقبة عمل ممثلينا بالبرلمان ومساءلتهم، فكم من عريضة وقعناها؟ وكم مسيرة ووقفة نظمناها؟ وكم من مرافعة قمنا بها تجاه أولئك البرلمانيين طالبناهم فيها بنقل انشغالاتنا للبرلمان؟ كثيراً ما نقول إن برلماننا لا يعكس مستوى وعي المجتمع، لكن إلى أي حد هذا الكلام صحيح حين نرى عماراتنا ومدننا وسخة لم نتفق حتى على تنظيفها وصيانتها، أين هو المجتمع المدني؟ وأين هم مثقفونا من الدفاع على سبيل المثال لا الحصر عن أولئك الجزائريين الذين سجنوا بسبب منشور على شبكات التواصل الاجتماعي؟ وأين هي هذه النخبة من مرافقة وتأطير المواطنين الذين يحتجون يومياً هنا وهناك بغلق الطرق وإحراق العجلات من أجل المطالبة بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية؟ ما يسعى له أي نظام هو إبقاء المواطنين متفرقين كلاً بجهته، وإن اجتمعوا فلا يكون ذلك حول نقاش حول السياسة، والأدب أو الفن، بل حول مباراة في كرة القدم، وما قانون الجمعيات 12/06 الذي صادق عليه البرلمان المنتهية عهدته، بكل ما احتواه من خنق وتصعيب لخلق وعمل الجمعيات، إلا مثال على ذلك، وما سيخدمه هو تشويه سمعة الأحزاب والسياسيين وتنفير الناس من حولهم، حتى إن أحزاباً تعجز حتى عن تغطية التراب الوطني وحتى اضطرت لتقديم مرشحين لم يكونوا يوماً مناضلين في صفوفها وحاملين لمشروعها، كذلك سيلجأون للتضييق على الصحف وفرض نفسه "كرئيس تحرير" على كل صحيفة وحتى على كل صحفي، صحف لا تزال تعيش فقط -ولسبب أو لآخر- بما يمنح لها من إشهار عمومي. وبالنسبة للمثقفين الذين يفترض أنهم هم من سيفكرون وينتجون أفكاراً من أجل مصلحة الشعب، فإنه وإن لم يقم باستمالتهم بالمناصب والامتيازات فإنه يعزلهم. ضعف الخطاب والأداء السياسي اليوم بالجزائر بلغ درجة جعلت المواطن ينفر من كل ما له علاقة بالسياسة، ويبتعد عن الاهتمام بأموره كمواطن. وحتى النظام أصبح يتحدث عن التغيير، تغيير يستبعد أن يصنعه النظام بنفسه، ولا أن تفرضه المعارضة بمختلف أطيافها التي هي حالياً في ضعف وعجز، فبالتالي لم يتبقَّ لنا سوى العودة للاهتمام بما يعنينا وممارسة مواطنتنا سواء، واستعمال كل الطرق السلمية والمكفولة دستورياً للدفاع عن حقوقنا ومصالحنا، كل حسب إمكانياته، عمل يمكن أن يبدأ وقبل رفع تلك الشعارات مثل "إسقاط النظام" بالبدء بتأسيس الجمعيات، ولجان الأحياء، والانخراط في الأحزاب السياسية، وتنظيم المحاضرات والندوات... والانتخاب والمقاطعة يمكن أن يكونا من بين هذه الأفعال الصغيرة التي يمكن أن يكون لها أثر، فالانتخاب حق، والحق مبدأه الحرية للانتفاع به أم لا، فيمكن مقاطعة أولئك الذين نتوسم فيهم عدم الكفاءة والسعي لخدمة مصالحهم الشخصية، والانتخاب وتشجيع أولئك الذين نرى فيهم كفاءة ونزاهة، أولئك الذين يعيشون مع المواطن ويعرفون همومه، ولم ينتظروا الحملة الانتخابية للنزول للشارع ومصافحة المواطن والسؤال عنه. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :