كشفت دراسة استقصائية على قطاعات واسعة من المجتمع البريطاني، أن نصف البالغين "أكبر من 18 عاما" يعانون مشكلات في سداد الفواتير الشهرية ودفع ما عليهم من ديون سواء كانت للبنوك أو للشركات. الدراسة أجريت على نحو خمسة آلاف مواطن في أنحاء متفرقة من المملكة المتحدة، توصلت إلى أن نحو 52 فى المائة من البالغين في بريطانيا يعانون صعوبات مالية كثيرة، وارتفعت تلك النسبة في آيرلندا الشمالية لتصل إلى 66 فى المائة، وكانت دراسة مماثلة قد أجريت عام 2006 وكشفت حينها أن 35 فى المائة فقط من البالغين يعانون صعوبات مالية. ليه مانيج من موقع خدمات النصائح المالية وهوموقع بريطاني يحصل على دعم حكومي لمعرفة الأوضاع المالية للبريطانيين أشرف على الدراسة وصرح للاقتصادية قائلا "من أبرز ما كشفت عنه الدراسة أن تأثير الأزمة المالية الراهنة في بريطانيا انعكس في عدد من المظاهر من أبرزها، انخفاض عدد الأشخاص الذين يخططون للمستقبل وكذلك عدد المدخرين. وتراجع القدرة على التخطيط للمستقبل يكشف عن تزايد الإحساس بين البالغين بفقدان الثقة في المستقبل، وذلك مرجعه أن الوظائف وخاصة في القطاع الخاص لم تعد مضمونة، ومن ثم لا يكون في وسعك استغلال الفرص الاقتصادية التي قد تتاح لك لعدم يقينك من قدرتك على الالتزام بتعهداتك المالية، أما بالنسبة للادخار فإنه منطقي أن يتراجع في ظل الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات مع ثبات الأجور والرواتب". وقد انعكست الأزمة المالية البريطانية والهزة الضخمة التي تعرضت لها كبريات البنوك في المملكة المتحدة على الطريقة التي يتعامل بها المواطن البريطاني مع أوضاعه المالية. وترصد الدراسة مظاهر متعددة لهذا التغير، من أبرزها تزايد لجوء المستهلكين إلى استخدام العملات المعدنية الصغيرة بدلا من العملات الورقية الكبيرة، وهو ما يكشف عن حرص واضح في حساب التكلفة والأسعار بشكل تفصيلي. ويسعى المستهلكون أيضا إلى انتظار الساعات الأخيرة من إغلاق المحال التجارية الكبرى" السوبر ماركت" لشراء احتياجاتهم حيث تخفض تلك المحال أسعار بعض السلع التي قد تنتهي صلاحياتها إذا ما بقيت لليوم التالي. وتشرح ألينا مارك رئيسة قسم الابحاث المالية في بنك لويدز تبعات ذلك الوضع على الأمد الطويل للاقتصادية بالقول "افتقاد البالغين وأرباب الأسر القدرة على تسديد الفواتير أو دفع الديون المتراكمة عليهم يعني عمليا انخفاض أو غياب أي مدخرات، وينعكس ذلك بقوة على القطاع البنكي في شكل انخفاض السيولة النقدية المتاحة لديه، ومن ثم يعجز عن إقراض الرأسماليين أو أصحاب الاستثمارات ورجال الأعمال لتوسيع نشاطهم الاقتصادي أو التجاري، ومن ثم تواصل انخفاض معدلات التشغيل في الاقتصاد القومي"، لكن ألينا ترى أن للوضع الراهن أيضا جوانبه المفيدة فيما يتعلق بالوعي المالي لدى المواطن البريطاني وتقول "الضائقة المالية تدفع الإنسان أن يكون أكثر حرصا فيما يتعلق بنفقاته وأساليب الإنفاق، بحيث يصبح إنفاق كل جنيه استرليني له معنى، ونمو هذا الوعي يسمح ليس فقط برفع معدلات الادخار في المجتمع، وهذا أحد الشروط الأساسية للنمو الاقتصادي، بل يؤدي أيضا لخفض الإنفاق غير الضروري على السلع والخدمات، وهو ما ينعكس إيجابيا على استهلاك الموارد والميزان التجاري ويسمح بإعادة هيكلة الاقتصاد ككل". وزارة المالية البريطانية علقت على الدراسة بالقول "نعلم أن العائلات البريطانية تمر بأوقات اقتصادية ومالية صعبة، ولكن الحكومة متمسكة بخطتها للإصلاح الاقتصادي، وتعمل بكل قوى على تقديم المساعدة الممكنة للأسر البريطانية بما في ذلك القيام بتخفيضات ضريبية استفاد منها 25 مليون شخص، وكذلك زيادة العلاوات وتجميد ضريبة الوقود". لكن رد فعل الحكومة البريطانية على الدراسة لم يكن كافيا من وجهة نظر معارضيها لحل المشكلة. ماتيوس كريث نائب رئيس اتحاد النقابات البريطانية وجد في الدراسة ذخيرة إضافية لمعارضي التحالف الحاكم في بريطانيا لجذب مزيد من الأصوات وخاصة من الطبقة المتوسطة، ويقول لـ "الاقتصادية" :هذه الدراسة تم إعدادها من قبل أحد مواقع الإنترنت الممولة والموالية للحكومة، لكنها كشفت عن التدهور الراهن في الأوضاع المالية للبالغين، ولا شك أن هذا التدهور مرجعه السياسات التقشفية المبالغ فيها من قبل حزب المحافظين وحزب الديمقراطين الأحرار المتحالف معه. إن السياسة الراهنة للحكومة تؤدي لإفقار قطاعات متزايدة من المجتمع البريطاني تحت مسمى الإصلاح الاقتصادي". ويؤكد ماتيوس "لدينا أيضا شكوك حول الأرقام التي أعلنتها الحكومة فتقديرات مراكز الأبحاث الأكثر حيادية تشير إلى أن نسبة البالغين التي تعجز عن سداد الفواتير الشهرية أو ربع السنوية ودفع أقساط الديون تراوح بين 60 - 65 فى المائة من إجمالي عدد البالغين في بريطانيا، ومن هذا المنطلق فإننا نطالب بمزيد من الإجراءات التسهيلية في عمليات السداد، بل وإسقاط ديون صغار الدائنين، بما يمنح الطبقة المتوسطة البريطانية القدرة على مجابهة تحديات الحياة اليومية المتزايدة".
مشاركة :