سعى مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) بالوكالة، أندرو ماكيب، أمس، إلى طمأنة الكونغرس بشأن استقلالية التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات، بعد يومين من إقالة الرئيس دونالد ترمب المفاجئة لسلفه جيمس كومي.وقال ماكيب خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ إن «عمل عناصر (إف بي آي) مستمر مهما تبدلت الظروف وأيا كانت القرارات». وأضاف: «لم تجر أي محاولة لعرقلة تحقيقنا حتى الآن... لا يمكن منع عناصر (إف بي آي) من فعل الصواب لحماية الأميركيين وصون الدستور».كما تعهد ماكيب في معرض الرّد على سؤال سيناتور ديمقراطي، بالامتناع عن إطلاع ترمب أو البيت الأبيض على مستجدات التحقيق. ووعد أيضا بإبلاغ الكونغرس بأي محاولة تدخل من السلطة في التحقيق، الذي اعتبره «شديد الأهمية»، فيما يحاول البيت الأبيض التقليل من أهميته ويدعو إلى طي صفحته.كذلك، وجّه ماكيب تحية تقدير إلى كومي مجازفا بإغاظة الرئيس، مؤكدا أن تولي منصب مساعده كان «أكبر امتياز وشرف في حياته المهنية». وأضاف: «يمكنني أن أقول لكم أيضا إن المدير كومي حظي بدعم كبير داخل (إف بي آي) وما زال»، في رسالة قوية إلى البيت الأبيض الذي يؤكد منذ الثلاثاء أن المدير المقال خسر ثقة موظفيه.من جهته، أكد ترمب أمس أنه كان يعتزم إقالة كومي «منذ البداية». وتشكّل هذه الجلسة أول ظهور علني لماكيب الذي تسلم على عجل الإدارة المؤقتة للشرطة الفيدرالية في انتظار تعيين خلف لكومي وتثبيته.وكانت جلسة أمس مخصصة للتهديدات العالمية أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، واستمعت لشهادات خمسة مسؤولين كبار في الاستخبارات الأميركية. وحدد المسؤولون الاستخباراتيون أبرزها في التهديد الروسي، والتدخل في الانتخابات الأميركية، وتهديدات تنظيم داعش و«القاعدة» والإرهاب بصفة عامة، وإيران وطموحاتها النووية، والوضع المتدهور في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان، إضافة إلى تهديدات كوريا الشمالية وطموحات الصين في بحر الصين الجنوبي والتهديدات في كوبا وفنزويلا.وشارك في الجلسة، التي استمرت أكثر من ساعتين، مدير وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) مايك بومبيو، ومدير الاستخبارات الوطنية دان كوتس، والمدير الوطني لوكالة الاستخبارات الجغرافية (المكانية) روبرت كارديلو، ومدير وكالة المخابرات العسكرية الجنرال فنسنت ستيورات، ورئيس جهاز الأمن القومي وجهاز مكافحة القرصنة السيبرانية الأدميرال مايكل روجرز.وتوقف مدير الاستخبارات الوطنية، دان كوتس، عند التهديدات التي تشكلها إيران، مشيرا إلى أن الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة أوباما قد أعطى إيران الوقت الذي تحتاج إليه لإنتاج المواد الانشطارية للحصول على سلاح نووي. وقال كوتس إن «الأساس المنطقي لطهران في الالتزام بالاتفاق النووي هو الحصول على تخفيف العقوبات الأميركية والحصول على أموالها، وفي الوقت نفسه الحفاظ على قدراتها النووية». وأشار كوتس إلى أن الصفقة عززت شفافية الأنشطة النووية الإيرانية، مضيفا أن الولايات المتحدة لا تعرف ما إذا كانت إيران ستقرر في نهاية الأمر محاولة بناء أسلحة نووية. إلى ذلك، لفت كوتس إلى التحركات الإيرانية المزعزعة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وأوضح أن إيران قامت بتدريب تسليح عشرة آلاف عراقي وأفغاني لمساعدة نظام بشار الأسد، كما تقوم بإرسال جنود من فيلق القدس إلى سوريا لتعزيز قدرات الأسد، وتقوم في اليمن بمساعدة وتدريب المتمردين الحوثيين ضد قوات التحالف، وتقف في وجه التوصل لحل سياسي للأزمة في اليمن.وفي الملف السوري، شدّد كوتس على أن النظام السوري مستعد وقادر على استخدام أسلحة كيماوية وشن هجمات مستقبلية، لكنه قال إن أجهزة الاستخبارات الأميركية لا تعرف ما إذا كان نظام بشار الأسد يعتزم القيام بذلك أم لا. وأوضح أن أجهزة الاستخبارات الأميركية تواصل التحقيق فيما إذا كانت روسيا تعلم مسبقا بالهجوم الكيماوي الذي جرى في مدينة خان شيخون في الرابع من شهر أبريل (نيسان) الماضي. وتابع كوتس أن موسكو مستمرة في مساندة نظام الأسد للمحافظة على قدرته وقوته في خضم الحرب الأهلية، مستبعدا التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية خلال العام الحالي بسبب الدعم الروسي للأسد.وحول تنظيم داعش الإرهابي، أكّد مدير الاستخبارات الوطنية أن «داعش» سيظل يشكل تهديدا للولايات المتحدة، مشيرا إلى أن «داعش» يحافظ على قدرته في توجيه هجمات مستغلا الصراعات الإقليمية في المنطقة. ورغم خسارته للأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق، فإن قدراته في الترويج واجتذاب المقاتلين لم تتقلص. وتابع أن «داعش» يحاول ربط فروعه خارج العراق وسوريا بشكل أوثق. وشدّد كوتس على أن تهديدات من يعرف بـ«الذئاب المنفردة» سيظل آخر خطر إرهابي يواجه الولايات المتحدة، ولا يمكن التنبؤ به. أما فيما يتعلق بالعراق، فقد أشار كوتس إلى أن الحكومة العراقية تواجه تحديات تتعلق باستقرارها، حتى مع تراجع خطر «داعش» وزيادة الجهود لمحاصرة التنظيم الإرهابي في معقله الرئيسي في الموصل.وأكد دان كوتس أن كوريا الشمالية تشكل تهديدا وجوديا محتملا للولايات المتحدة، حيث يواصل زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون محاولات تطوير سلاح نووي يمكن أن يصيب الولايات المتحدة. فيما أشار الجنرال فنسنت ستيورات رئيس وكالة الاستخبارات العسكرية إلى أن كوريا الشمالية لم تختبر بعد صاروخا نوويا بعيد المدى، لكنها على الطريق للقيام بذلك، مشددا على دور الصين في كبح طموحات حليفتها النووية. إلى ذلك أبدى كوتس، تشاؤمه الشديد حيال تطور الوضع في أفغانستان، في وقت تعتزم الإدارة الأميركية تعزيز قواتها في هذا البلد.وقال كوتس أمام الكونغرس إنه «من شبه المؤكد أن الوضع السياسي والأمني في أفغانستان سيتدهور طوال عام 2018، حتى مع الزيادة المتواضعة في المساعدة العسكرية للولايات المتحدة وشركائها» في الحلف الأطلسي.وأضاف لدى تقديمه التقرير السنوي للاستخبارات الأميركية عن التهديدات العالمية: «على الأرجح، ستواصل طالبان تحقيق مكاسب، خصوصاً في المناطق الريفية». وتابع أن «أداء قوات الأمن الأفغانية سيتدهور على الأرجح بسبب عمليات طالبان، والخسائر في المعارك، والانشقاقات، وضعف الجانب اللوجيستي، وضعف القيادة».وبعد خفض عدد قواته لسنوات، يعتزم الحلف الأطلسي إرسال آلاف من الجنود الإضافيين، بسبب عدم تمكن حكومة كابل من احتواء هجمات طالبان. وأنهى الحلف الأطلسي رسمياً مهمته في أفغانستان نهاية 2014، ولم يبقَ إلا نحو 13300 عنصر في أفغانستان معظمهم من الأميركيين لتدريب قوات الأمن الأفغانية وتقديم المشورة لها.
مشاركة :