على ضفاف الخليج العربي تختال لؤلؤة لم تحتضنها صدفة، بل تاريخ تليد سطّره الأجداد بأحرف من كفاح واجتهاد، في أرض تشرفت بحضور المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه ليعلن انطلاقة عهد الرخاء الجديد، امتدادا للمجد العتيد، إنها «رحيمة» أو رأس تنورة تلك المدينة الهادئة الحالمة التي تجمع بين جمال الطبيعة في بحرها الفيروزي وشواطئها الجميلة، وقوة صناعة النفط في معامل شركة أرامكو السعودية التي تحيط بها. لماذا سميت رأس تنورة؟ تعتبر منطقة رأس تنورة من المناطق التاريخية القديمة التي عرفت بهذا الاسم لأكثر من 500 سنة، حيث ذكر اسمها (تنورة Tenora) في العديد من الخرائط الأوروبية القديمة، ويرجع سبب إطلاق مسمى (رأس) إلى طبيعتها الجغرافية حيث إنها رأس من اليابسة ممتد في وسط مياه الخليج العربي، أما (تنورة) فربما يكون قديما ليس له معنى معروف، أو أنه كما هو شائع بسبب وجود مياه حارة تنتج عنها دوامة بحرية أشبه ما تكون بالفرن (التنور) في نهاية الرأس باتجاه الجنوب. ورأس تنورة هي شبه جزيرة تحيط بها المياه من ثلاث جهات، وهي حاليا تحتضن المناطق السكنية في رحيمة وشعاب وسكن أرامكو في نجمة ورضوى، وكذلك المناطق الصناعية مثل الجعيمة ومعامل التكرير والفرض. أول ناقلة ترسو في الرصيف الشماليما قبل اكتشاف النفط قبل ظهور النفط كانت رأس تنورة خالية من السكان ماعدا أعدادا محدودة من الأتراك العاملين في ميناء رأس تنورة العثماني، مع مجموعة صغيرة من قبيلة بني هاجر كانوا يقيمون فيها مؤقتًا أثناء فصل الربيع قريبًا من عين (رحيمة)، إضافة إلى أن منطقة رأس تنورة كانت خالية من المساكن ماعدا العشش والبيوت الخشبية في قرية شعاب، والتي كان يعمل أهلها في التجارة وتربية الأغنام والمواشي والزراعة وصيد اللؤلؤ. عن تاريخ رأس تنورة ما قبل مرحلة اكتشاف النفط، أوضح الباحث الدكتور جلال الهارون، أنها كانت مرفأ تستعمله الحكومة التركية وخاصة للسفن الكبيرة التي لا يمكن رسوها في القطيف، إضافة إلى استعمال المرفأ كمحطة للتزود بالوقود (الفحم)، ولم يكن هناك مبانٍ إلا مبنى الميناء العثماني الذي أنشئ عام 1289هـ، وملحقاته من مستودع للفحم الحجري، ومستودع للعتاد، ومركز لإدارة المهمات العسكرية، وكان العلم العثماني يرفع على سارية أعلى مدخل الميناء. بعد أن ضمّ الملك عبدالعزيز آل سعود الأحساء والقطيف عام 1331هـ، ظلّ هذا المبنى سليمًا لسنوات عديدة واستخدم مركزًا للجمارك، وفي عام 1354هـ، قرر الملك عبدالعزيز بناء رصيف للسفن في رأس تنورة ليتم فيه تفريغ البضائع التجارية التابعة للقطيف ونجد بشكل مباشر، وقام بحفر بئر ارتوازية هناك. ما بعد اكتشاف النفط بعد اكتشاف النفط بكميات تجارية في المملكة العربية السعودية عام 1357هـ/‏‏‏ 1938م، وقع الاختيار على ميناء رأس تنورة ليكون ميناء لتصدير النفط الخام إلى مختلف دول العالم، وتم تصدير أول شحنة من الزيت الخام منه على الناقلة د. جي. سكوفيلد في 11 /‏‏‏3/‏‏‏ 1358هـ، الموافق 1 /‏‏‏5 /‏‏‏1939م، بحضور المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله الذي كانت فرحته كبيرة بالخير الوفير الذي رزق الله به البلاد، وانطلاق عهد الرخاء والنماء. وخلال الأعوام التي تلت ذلك الحدث الأجمل في تاريخ رأس تنورة، استمرت مشاريع تطوير الصناعة النفطية من خلال بناء أرصفة شحن وجزر صناعية لتصدير النفط ومشتقاته وإنشاء مصافي تكرير ومعامل تجزئة غاز وغيرها من المرافق الهيدروكربونية، وتوالت على رأس تنورة زيارات ملوك المملكة العربية السعودية وبعض حكام ووزراء الدول وكبار المسؤولين لتؤكد أهميتها الاستراتيجية والاقتصادية. منازل بنيت حسب برنامج تملك البيوت عام 1960نشأة العمران مواكبة للتطور الصناعي، استمر العمران في التطور، لذا أنشئت الإدارات الحكومية كمكتب الأمير والشرطة والجيش والجمارك والحجر الصحي ومكتب قياسات الزيت في الأربعينيات الميلادية، بالقرب من ميناء (فرضة) تصدير النفط وتم تعيين تركي العطيشان أميرًا لرأس تنورة، وعابد شيخ رئيسًا للشرطة. بدأت أرامكو في عام 1943م، بإنشاء مساكن لموظفيها الأجانب العزاب في حي نجمة، وبعد سنوات قليلة توسع السكن ليشمل عائلات الموظفين ذوي الدرجة 11 وما فوقها، أما حي رضوى (انترميديت) فكان سكنًا للموظفين المتوسطين (درجة 6-10). أما الموظفين العموميين فانشأت الشركة لهم سكنًا للعزاب في حي رحيمة يسمى اللاينات Lanes استقر فيها الكثير من الموظفين، لكن بعد سنوات قليلة بدأوا بإقامة مساكن خشبية في حي المقاولين (القنطراز) وأحضروا عوائلهم، وقد يكون ذلك بداية لتحوّل رحيمة الى سكن للعائلات. في الخمسينيات الميلادية، أطلقت أرامكو برنامج تملك البيوت الذي منح الموظفين قروضًا لبناء مساكن حديثة في رحيمة، ومع تلك النهضة العمرانية انتقلت الإدارات الحكومية والأهالي من مساكنهم قرب الجمرك إلى رحيمة. المغاصات والفروش توجد بالقرب من رأس تنورة أشهر مغاصات اللؤلؤ، وكان عدد من أهلها يمارسون مهنة الغوص بحثًا عن اللؤلؤ، ولما ابتدأ مشروعا فرضة رأس تنورة ومعمل التكرير ازدهرت مهنة قص ونقل الفروش (حصى البحر)، والتي كانت تستخدم في دفن البحر. موظفون يتناولون القهوة في كافيتريا سكنهم في رحيمة 1948مالمجتمع الواحد في رحيمة كما يحلو للكثير من أهلها تسميتها توافد الآلاف من جميع مناطق المملكة العربية السعودية المترامية الأطراف، فانسجموا في نسيج اجتماعي متميز رغم اختلاف عاداتهم وطباعهم، وانصهروا في بوتقة الوطن الواحد. جاء أولئك الرجال الأفذاذ وهم في سن مبكرة من مناطقهم المختلفة ليبنوا صرح الوطن، وعاشوا في البداية معاناة الغربة والبعد عن الأهل كما يقول أحد الشعراء واصفًا حياته الجديدة في رأس تنورة: ياعبيد وان نشدوا عنا ساكن في راس تنوره شط البحر قبلة عنا بديار من يلعب الكوره قله ترانا تمدنا كلن يولع بدافوره قل للبني لا تباطنا ناخذ زمانين ونزوره من فوق دهسن يودنا عن المساء ولعوا نوره فريق التآلف 1959النشاط الرياضي رياضة كرة القدم من النشاطات الترفيهية الأساسية التي كان يمارسها موظفو شركة أرامكو وتدعمها الشركة التي وفرت ملاعب مزودة بالإنارة، وتكونت في رأس تنورة فرق عديدة للموظفين الإيطاليين والسودانيين والصوماليين وغيرهم، أما لاعبو كرة القدم من الموظفين السعوديين فكان يجمعهم فريق الجبيل، وبعده تكوّن فريق آخر سمي (التآلف)، أما في الستينيات الميلادية وما بعدها فتشكلت فرق للحواري كثيرة منها فرق حارات الهدف والعربي والاتفاق والأهلي والتضامن والوحدة، وبعد تأسيس نادي رأس تنورة عام 1396هـ /‏‏‏ 1976م انضم كثير من الشباب للعب فيه.النشاط التعليمي نال غالبية الموظفين فرصة التعلم في مدارس أرامكو، أما أبناءهم فقد تعلموا في المدارس الحكومية، ففي عام 1955م أنشئت أول مدرسة ابتدائية للبنين (مدرسة العلاء الحضرمي) ضمن برنامج أرامكو لبناء المدارس الحكومية، وفي عام 1963م بنيت أول مدرسة ابتدائية للبنات (المدرسة الابتدائية الأولى)، أما المرحلة المتوسطة فقامت أرامكو بإنشاء مدرسة رحيمة النموذجية عام 1962م، واستمر بناء المدارس ليستوعب الزيادة في عدد الطلاب. اهتمت مدارس رأس تنورة بالأنشطة الرياضية والكشفية والثقافية الدورية والمهرجانات الرياضية إضافة إلى المسرحيات التاريخية والاجتماعية التي كنا نستمتع ويستمتع الأهالي بعروضها. أما الرحلات المدرسية إلى معرض الزيت بشركة أرامكو ومعاملها الصناعية فكانت تمثل لنا ذكريات جميلة لا تنسى خاصة عندما تختتم تلك الزيارات بوجبة لذيذة في الكافتيريا ومعها كيك أرامكو، أما الرحلات البرية فكانت وسيلة لتقوية مشاعر الأخوة والصداقة والترابط بين الطلاب، والتي لم تكن تخلو من المقالب الطريفة.جاوان الأثرية جاوان من أهم المستوطنات والمواقع الأثرية في المنطقة الشرقية التي تعود إلى الفترة الهلينستية، تم اكتشافها عام 1943م عندما بدأ بناء مصفاة تكرير النفط في رأس تنورة واختير الموقع مكانًا لأخذ الركام لصنع الأسمنت للمصفاة، وفي عام 1952م عثر على ضريح كبير، ومن المكتشفات الأثرية في جوان فخار وعملات ونقوش. صاحب السعادة الأمير صالح العطيشان، أمير رأس تنورة ورئيس اللجنة التي أشرفت علي بيع أراضي بلدة رحيمة يتوسط القائمين على تنمية هذه البلدة، ويرى الى يمين سعادته الاستاذ عثمان مبارك رئيس مكتب قروض الموظفين، والى يسار سعادته الاستاذ محمد صالح الشيحة، رئيس المجلس البلدي، والسيد محمد رملي ملاكه مدير البلدية، وقد جلسوا يتداولون في المشاريع العمرانية التي سيجرى إدخالها على هذه البلدة. أول مساكن خرسانية تبنيها شركة أرامكو للموظفين في رأس تنورة أحد رجال البادية عند مصفاة رأس تنورة 1948م أربعة أجيال في صورة واحدة 1963م