طفح كيل الرئيس الإيراني، حسن روحاني، من منافسيه في الانتخابات الرئاسية، فبعدما لجأوا إلى كل ما هو ممكن لمنع إعادة انتخابه مرة أخرى، خرج المرشح عن اعتداله، وصعّد من لهجته، فزاد من حدّتها حتى تجاوزت تصريحاته الهجومية الخطوط الحمراء في السياسة الإيرانية. خلال المناظرتين المتلفزتين، وُضع روحاني في موقف دفاعي لا يُحسد عليه، بعدما هاجمه منافساه المحافظان إبراهيم رئيسي ومحمد باقر غاليباف، بحديثهم عن الأداء الاقتصادي في إيران منذ أن عقد مع الغرب عام 2015، والذي أدى إلى رفع العقوبات عن طهران، وفق ما ذكرته صحيفة البريطانية. غبر أن المعتدل روحاني -المفضَّل لدى الإصلاحيين من بين المُرشَّحين الستة في 19 مايو/أيار الجاري- استخدم لهجة قوية خلال حملته، فشنّ تارة هجوماً على الحرس الثوري ووصف تارة أخرى أحد منافسيه بأنَّه شخصٌ موهبته الوحيدة هي الإعدام والسجن.5 مايو/أيار هاجم روحاني الحرس الثوري متهماً إياه بمحاولة نسف الاتفاق النووي.8 مايو/أيار خلال أحد تجمُّعاته الانتخابية، تطرّق روحاني، في إشارةٍ استثنائية، إلى وظيفة منافسه رئيسي السابقة في القضاء، والتي تضمَّنت حادثةً سيئة الصيت وقعت في 1988 حينما كان رئيسي واحداً من بين 4 قُضاة أشرفوا على عمليات إعدامٍ جماعية لمعارضين. وقال روحاني: "سيعلن الشعب الإيراني في هذه الانتخابات أنَّه لا يقبل أولئك الذين لم يعرفوا سوى الإعدامات والسجن على مدار 38 عاماً". 9 مايو/أيار في تجمُّعٍ انتخابي للسيدات باستاد شيرودي في العاصمة طهران، قال روحاني للحشد إنَّه يعارض بشدة، الفصل بين الجنسين بالمجتمع أو في الجامعات. وأضاف وسط تصاعد بعض الهتافات الداعِمة لقائدي المعارضة الخاضعين للإقامة الجبرية، مير حسين موساوي ومهدي كرّوبي: "لن نقبل التمييز الجنسي، لن نقبل الاضطهاد الجنسي... نريد حرية اجتماعية وسياسية". كما تحدّث روحاني في إشارةٍ واضحة إلى رئيسي، وهو سادن العتبة الرضوية المقدسة التي تُعَد أغنى وقفٍ في العالم الإسلامي، ولا تدفع ضرائب: "نريد القانون لكل المؤسسات، ولا نريد مؤسساتٍ مُعفاةٍ من الضرائب. كيف يُعقل أن يكون من الجيد للناس أن يدفعوا الضرائب، وأنتم لا؟!". وفي 10 مايو/أيار، دخل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي على الخط وحثَّ الجميع على الحفاظ على أمن البلاد، قائلاً إنَّ "أيَّاً من يريد الانحراف عن هذا المسار يجب أن يعلم بالتأكيد أنَّه سيلقى صفعةً على وجهه". وحذَّر خامنئي كذلك من "الفتنة"، مستخدماً في ذلك التعبير نفسه الذي انتشر ضد الحركة الخضراء المُعارِضة بعد انتخابات 2009 الخِلافية.تغيُّر نغمة روحاني الأستاذ بجامعة طهران صادق زيبا كلام، يقول إنَّ تغيُّر نغمة روحاني كان ثأرياً بعدما شنَّ قاليباف ورئيسي هجماتٍ "لا أخلاقية" عليه خلال المناظرات المُتلفزة. وكان روحاني، بحسب زيبا كلام، يرد كذلك على العديد من المجموعات المدعومة من الدولة التي ألقت بثقلها خلف رئيسي. وأضاف زيبا كلام في حديثه لـ"الغارديان"، عبر الهاتف من طهران، أنَّ "المُرشَّح المُفضَّل للمؤسسة هو رئيسي. فرجال الدين، وتليفزيون الدولة، وأئمة صلاة الجمعة، وميليشيا الباسيج، والحرس الثوري، جميعهم يدعمون رئيسي". "من غير المُرجَّح أن ينسحب رئيسي، الذي كان حتى وقتٍ قريب يُصوَّر على أنَّه مُرشَّح ذو حظوظٍ وفيرة لخِلافة المرشد الأعلى للبلاد، لصالح قاليباف، المُرشَّح المُحافِظ الآخر". ورفض الأستاذ الجامعي نظريةً تشير إلى إمكانية انسحاب رئيسي في اللحظة الأخيرة وفي الوقت المناسب؛ ليُعزِّز صورته كخليفةٍ محتمل للمرشد الأعلى في المستقبل، قائلاً: "رئيسي مُترشِّحٌ كي يصبح رئيساً". فيما يقول مُنتقِدون إنَّ الهزيمة من شأنها أن تعرقل فرصه في أن يصبح خليفةً محتملاً. وتابع: "يواجه روحاني سباقاً شرساً مُقبلاً، لكن عكس كل المؤسسات التي تدعم رئيسي، فإنَّ هناك أولئك الذين قرَّروا المقاطعة؛ إذ نراهم يقبلون على دعم روحاني بصورةٍ تدريجية. وتظهر موجةٌ من هؤلاء الناخبين تدريجياً". ويسعى روحاني للوصول إلى ما يُقدَّر بنسبة 40% من الـ55 مليون إيراني الذين لا يُصوِّتون عادةً في الانتخابات.المزاج الانتخابي أما الخبير السياسي ناصر هاديان، فرأى أنَّ المزاج الانتخابي يصبح أكثر إثارة، قائلاً: "إنَّ مشاركةً أكبر من شأنها أن تُسهِّل فوز روحاني. ويعمل الرئيس أساساً على استمالة أولئك الذين لم يحسموا قرارهم بعد، سواء بالمشاركة في التصويت من عدمه". وأضاف أنَّ كلاً من قاليباف ورئيسي سيبقيان على الأرجح في السباق، لكن في حال انسحب قاليباف لمصلحة رئيسي، فإنَّ روحاني سيستفيد آنذاك؛ لأنَّ المُرشَّح المُتشدِّد التقليدي رئيسي، لا يلقى دعماً من مؤيدي قاليباف كافة. "أعتقد أنَّه في حال كان هناك مُرشَّح سينسحب من بين هذين المرشَّحين، فإنَّه سيكون رئيسي؛ إذ سينقذ صورته، وقد تذهب أصواته إلى قاليباف". وكان كلٌ من قاليباف ورئيسي مشغولَين بحملتيهما الانتخابيتين الأسبوع الماضي. ففي طهران، كان مؤيدو قاليباف، الذين يحملون أعلاماً كُتِب عليها "96%"، يهتفون في التجمُّع الانتخابي: "أيُّها الرجل الأشقر الوسيم، أنت رئيسنا". وكان قاليباف يروِّج لفكرة أنَّه يمثِّل 96% من الإيرانيين، قائلاً إنَّه يعارض فئة الـ4% الأكثر ثراءً في المجتمع. وفي كرمان (جنوبي إيران)، كان استادٌ رياضي مكتظ يستقبل رئيسي بهتافات: "حيدر، حيدر"، وهي كلمة عربية تعني الأسد. فيما سيشارك المُرشَّحون كافة في مناظرةٍ تليفزيونية أخيرة، الجمعة 12 مايو/أيار.
مشاركة :