العزف على وتر المرأة

  • 5/21/2014
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - سعودي لو قلنا إن المرأة إنسان من حقه أن يعيش لضحكتم علينا، وقلتم لم تأت بجديد، ولكن لو سألنا: كيف يمكن أن تعيش هي إنساناً هنا سيختلف المعنى وتتعدد الرؤى؛ لأن إنسانية المرأة عند بعضهم ليست كإنسانية الرجل، كما أن العيش لا يعني الأكل والشرب والتناسل والنوم، وهو ما يفعله الإنسان والبهائم، على حد سواء ولربما فاقت البهائم قدرة الإنسان المختبئ بملابسه في ذلك. وهذا مربط الفرس ما دمنا أتينا على ثنائية الإنسان والحيوان، والربط والانطلاق، فإن المرأة التي يحلو لبعضهم النظر إليها. لا تستحق حتى هذه الصفات الفرسية، فهي فرس متى شئنا وملعونة متى أطلقناها من عقالها. أنا لم آتِ هنا للدفاع عن حقوق المرأة، ولا يعنيني هذا الدفاع المستميت والمستهلك، أمن أجل تحريرها؟ لأنه كلما انطلقت فكرة تجاه المرأة علقت بمشجب تحرير المرأة وربطت عنوة بقاسم أمين أو هدى شعراوي إمعاناً في إفشالها، لذلك أنا هنا من أنصار تحرير الرجل من عدوانيته تجاه القيم الإنسانية التي باركها الشرع ودعا إليها، وقررها لكليهما بالتساوي من بلوغ وحرية وعقل. ثمة مفاهيم منغلقة على ذاتها متخذة من الدين - ببشاعة مفرطة بالتبني - وسيلة لتحقيق مآربها من المرأة حتى متى سولت لأحدهم نفسه بالمطالبة بحقوق منصفة للمرأة رُمي بأحذية التجهيل والتفسيق، ولكي يتمكن من إقحامك يسألك العبيط: هل ترضاه لأمك أو أختك؟ مع أنها لم يكن لها في السابق هذه القدسية التي تحاط بها اليوم، كما لم تكن ذات إطار شهواني كما توضع فيه، كانت تخالط الرجال وتمازحهم، وتنقل عنهم، وقد احتفى أدبنا العربي بأمثلة كثيرة قد يفهمها مشايخ اليوم المؤدلجون على أنها تعدٍ على حرمات الله وفسق وظلال، لذلك تجدهم اليوم متحسسين مذعورين من أي انفتاح على المرأة، بوصفها جنساً بشرياً فاعلاً ومتفاعلاً مع بيئته ومجتمعه، ليعلنوها حرباً مفتوحة على التطور والاختلاف الذي لا يمكن أن يعني بحال من الأحوال سوى تقويض المفاهيم العاجزة عن اقتحام المستقبل بقوة، لذلك ولكي تكون العقبة كؤوداً بما يكفي للإجهاز على أي مشروع نهضوي في مهده تعليقه مباشرة بالتغريب والعلمنة، وهذا وحده كافٍ لأن يلهب قلوب الناس ويوغر صدورهم ضده. نحن اليوم نكرر صوراً قديمة تعود لعصور ما قبل التنوير الأوروبي التي تجسد صورة مكرسة للمرأة المغلوب على أمرها، بفعل الضغط الهائل على تفكيرها بطريقة لا تمت إلى الروح الدينية الحقيقية بصلة، فلا يشبهها إلا المرأة العربية المسلمة المتدينة اليوم، إذ وضعت في حيز بعيد جداً عن عالم الرجل المستبد بالحياة من دونها، ملبساً إياها حلة تصوفية تنزع إلى تقديس ما تقوم به، إرضاء للتيارات المتعسفة التي كانت تضغط على حياة المجتمع برمته، ولاسيما المرأة ولذلك يكون الإثم متى أرادوا تجسيده أو بمعنى تشخيصه بشكل سافر. ظلت النظرة الدونية للمرأة رهينة العقلية المتدينة المنغلقة، كي تظل أداة سهلة وطيعة للرجل الذي وضع نفسه في حيز لاهوتي يحب أن ينظر إليه من خلاله بما يمنحه القوة على السيطرة على أتباعه السذج، ولما يوفره من حماية داخل منظومة مجتمع لا يمكن أن يكون إلا متدينا وفق تصوره وفهمه الإنسان فيه آثماً دائماً والمرأة جريمة تتحرك على الأرض. وكما قلنا صورة المرأة اليوم كمضمون مفرغ من إنسانيته مكررة، ولكن بطرق مختلفة، فهي تدخل أو بمعنى آخر تدفع إلى حيز كهنوتي آخر، باستقطاب اتجاهات دينية مختلفة، فهي بهذا الوعي لا يمكن أن تعبر عن كونها مسلمة وفق ما منحت إياه شرعاً، عليها أن تكون منصاعة إلى سلطات دينية عليا يجسدها رجال الدين، وأعني بهم المؤدلجين، سابقاً لم تكن المرأة معنية بأكثر من زوجها وأولادها، ثم عقب كل التحولات السياسية التي مرت بها البلاد العربية أصبح مشايخ الصحوة هم الأقرب نفسياً وروحياً إليهن من أزواجهن وحتى أحياناً من أولادهن، حتى باتت على رغم تعليمها حصولها على شهادات علمية عليا منصاعة إلى ثقافة القطيع، لذلك تراها تتناقل كل ما يتفوه بها فلان من كلام مرتجل بسيط لا ينم في مجمله عن ثقافة جيدة، ولا عقل رصين. بهذا أصبحت المرأة وسيلة لتمرير أجندة مسيسة، هدفها ضرب أي حراك تنويري يطمح إلى إعادة ما سُلب من الإنسان، ولاسيما المرأة من حقوق وأهمها الحرية المتضمنة في مناط التكليف، والتي لم يفرق فيها الإسلام بين المرأة والرجل لتكتمل إرادة الله - عز وجل - في استخلاف الإنسان على الأرض، وقد أثبتت المرأة المسلمة اليوم في بعض بقاع من عالمنا العربي انفراديتها وتحررها من إسار الرجل (الشيخ أو المطوع)، اختارت أن تكون مفكرة وناقدة ومتدينة أو حتى غير متدينة، ومع هذا لا يمكن أن تتنازل بأي حال عن كونها فاعلاً ومشاركاً رئيساً في بناء المجتمع، والعجيب في الأمر أنه كلما كانت المرأة أكثر تحرراً أرغمت الرجل على احترامها، ولاسيما «الشيخ أو المطوع»، وقد رأينا ماذا يفعل بعض رجال الصحوة اللامعين من أجل التقرب إلى بعض النساء السافرات ذوات الصفات الاعتبارية، وكيف استطاعت إحدى المذيعات استقطابهم وحبسهم لبعض الوقت، كي يدلوا بآرائهم ضاحكين بشوشين، لم نرهم أو نسمعهم قذفوها بحجارة التسفيه والتفسيق كما يفعلون مع كثير من النساء بما فيهن المحجبات، لو علمت المرأة أنها المخلوق العظيم الذي لا يمكن أن تتم دورة الحياة إلا بها، وأن حريتها الممنوحة لها شرعاً في الاختيار والتلقي والعمل هي مصدر قوتها الحقيقية لَمَا أسلمت قيادها لمزايدات رجال الصحوة بسذاجة وتركت لهم قيادها ليستضعفوها ويسترهبوها، ولنا الحق أن نسأل أولئك المتنطعين بخوفهم على المرأة من قوى التغريب: ألم يروا أولئك المسلمات في أوروبا وأميركا وهن في عمق الغرب، يدرسن في مدارسهم ويحيين حياتهم ومع ذلك لم يتخلين عن إسلامهن. تعترف الطبيبة المنصرة ماري برونز اليسون التي جاءت إلى الكويت مبشرة في الربع الأول من القرن العشرين في مذكراتها بعنوان: «ماري في جزيرة العرب» بفشلها الذريع في التأثير على النساء البسيطات جداً، على رغم تعليمهن القليل، لم تستطع ماري أن تكون نموذجاً يحتذى فيما تقدمه لهن من خدمات طبية، بل العكس كن النساء الكويتيات مثار إعجابها والفريق الطبي النسائي التبشيري»، لما للمرأة العربية المسلمة من سحر خاص على العالم الغربي، هذا السحر الخاص الذي أبطله رجال الصحوة ودفعوا بعض فتياتنا إلى كراهية لكل ما يمثلونه من قيم جائرة ليست من الدين الإنساني البسيط في شيء.   * كاتب وروائي سعودي. almoziani@

مشاركة :