هل نعاني من الكسل والضمور الإبداعي، حتى على مستوى صناعة مشاريع الخير؟ فرمضان تقترب أهلته من حدودنا، لتجدنا كل عام (على الغالب) ما برحنا نمارس الزكاة والصدقة ضمن مساراتها التقليدية، التي لاتتجاوز ملء المعدة، أو توزيع الأموال والمقتنيات. المقتنيات التي في غالبها لا نجد لها حيزا في منازلنا ندفعها لهم خالقين وهما داخليا لأنفسنا بأننا نصنع خيرا، ولانعلم أن تحويل المحتاج إلى سلة مهملات لايندرج في عمل الخير. العمل الخيري المحلي مابرح بحاجة إلى أفكار مبدعة وخلاقة تستطيع أن تستوعب وتؤهل العديد من المتعففين، وتفك تلك الدائرة الأزلية ما بين اليد العليا واليد السفلى. هناك الكثير من رجالات الخير على المستوى المحلي الذين بدورهم استطاعوا أن ينفذوا من حصار العطاء التقليدي ويحولوا حقول عطائهم إلى وقفيات دائمة كالشيخ الراجحي بمشاركته في تأسيس بعض المنشآت الطبية للحرس الوطني، والشيخ العامودي الذي تكفل بأوقاف جامعة الملك سعود، والشيخ عبداللطيف جميل وباب رزق جميل.. وهؤلاء على سبيل المثال لا الحصر، من الذين جعلوا تربة الوطن وأحلامه ومشاريعه مصبا لنبل عطائهم وكريم بذلهم. لاسيما أن العمل الخيري المحلي مؤخرا بات مكبلا بصورة نمطية أخذت تحول بينه وبين راغبي العطاء، ففي العقد الأخير ومع رفع الغطاء عن الكثير من مصادر التمويل اكتشف المجتمع أن الكثير من أمواله كانت تذهب لتمويل الإرهاب والعنف، وأنها وصلت بطريقة مواربة إلى أيد ابتاعت بها رصاصاً يوجه لظهره، والوهم الجميل الذي كان يروج بأن أموالك ستعمر مسجدا في منطقة نائية اكتشفنا في النهاية أنها ذهبت ثمنا لقنبلة ستنفجر في مواضع الفتن والحروب، يترافق هذا بالطبع مع غياب الوضوح والشفافية الإدارية عن المؤسسات الخيرية التي كانت تمول مثل هذا فبالتالي الذي لم يذهب إلى الإرهاب فإن الفساد يأكله. ومع طبيعة اقتصاد ريعي تكون فيه الحكومة هي المصدر الاقتصادي الوحيد للدولة، خُلق نوع من التقاعس والاحجام الجمعي عن تتبع أبواب البذل والعطاء والإبداع والابتكار فيها. على سبيل المثال مازال توظيف طاقات ثقافة الصورة الخلاقة والإعلام الجديد شبه غائب عن الأموال الخيرية، وكلما أرى خبرا ينشر عن جماعة (البوكو حرام) في الإعلام الغربي أعرف عندها أن هذه البركة الآسنة ستصب قاذورتها في بحيرة الإسلام لفترات طوال، وبالطبع ذلك غيض من فيض مما يوجه ضد حضورنا الإعلامي في العالم. المخرج العالمي العقاد مخرج الروائع التاريخية، قال يوما ما (إن ثمن طائرة حربية مقاتلة يصنع افلاما من شأنها أن تفكك الكثير من الصور النمطية التي يحملها العالم عن شعوب المنطقة). الإعلام الجديد، وثقافة الصورة، ولغة الوسائط ما برحت منطقة بعيدة ونائية عن الأموال الخيرية، على الرغم من انعكاساتها وآثارها الايجابية الكبيرة سواء على الموهوبين المحتاجين لمصادر تمويل، أو على دعم هذه الصناعة الحيوية المهمة التي بات العالم يتحدث بها ومن خلالها.
مشاركة :