على رغم الرسائل الإيجابية التي وصلت الى موسكو من الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية وبعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، بخصوص العلاقة بين موسكو وواشنطن وطبيعة التعامل مع الأزمات من الجانبين، لاسيما الأزمة السورية والدور الروسي في الشرق الأوسط، والحديث عن إمكان التعاون السياسي والعسكري في مكافحة الإرهاب وإنهاء وجود تنظيم «داعش» في سورية والعراق، لاسيما بعد أن تناقلت وسائل الإعلام الأميركية في شكل مؤكد أن موسكو تدخلت إلكترونياً في الانتخابات الأميركية لمصلحة ترامب، الأمر الذي دفع الرئيس السابق باراك أوباما الى طرد السفير الروسي، رغم كل ذلك فإن التوقعات حول التقارب الأميركي- الروسي بين الرئيسين بوتين وترامب، بدأت تفقد بريقها، إذ بدأت واشنطن التصعيد في موقفها من خلال الضربة الجوية التي وجهتها إلى قاعدة الشعيرات في سورية. وعلى الرغم من أن واشنطن أبلغت موسكو مسبقاً بالضربة الجوية، إلا أن الأخيرة أبدت امتعاضها من تصرف الإدارة الأميركية وعدته بمثابة تعد على القانون الدولي، وأنه قد يضع العلاقات الأميركية - الروسية على المحك ويوقف التعاون بين الجانبين في مكافحة الإرهاب ومحاربة تنظيم «داعش». لكن ومع الأخذ في الاعتبار كل التداعيات التي أعقبت الضربة الأميركية كيف يمكن أن يؤثر تصرف ترامب في حل الأزمة السورية؟ الضربة الأميركية سيكون لها تأثير كبير في مجريات الأزمة السورية، لكن ليس بالضرورة ستؤثر سلباً في سير المفاوضات، لأن اللعبة أصبحت متوازنة بعد الضربة بين واشنطن وموسكو. وإذا ما عقدنا مقارنة بين المرحلة السابقة فإننا نتذكر اللقاءات المطولة لوزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، وعادة ما كان الوزير الروسي هو الذي يملي على واشنطن ما تفعله في سورية وفي المفاوضات، أما الآن ففي يد واشنطن ورقة قوية وقد تعي ما تقول في المفاوضات الحالية. كان ترامب، قبل هجوم شان شيخون، يتحدث عن أولوياته الاستراتيجية في سورية، وهي إنهاء تنظيم «داعش» والتعاون مع الروس لإنهاء التنظيمات الإرهابية في سورية، ومن ثم النظر في مستقبل الدولة السورية ومستقبل الرئيس بشار الأسد. وقبل أيام كانت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة تتحدث بالطريقة نفسها التي يتحدث بها ترامب، بأن وجود بشار الأسد على رأس الدولة السورية هو حقيقة سياسية، أما الآن فإن اللهجة الأميركية تغيرت، وقد اعتبر ترامب أن الرئيس الأسد ديكتاتور ولا يمكن له أن يلعب دوراً في مستقبل سورية. إن هذا التحول السياسي في الموقف الأميركي، قد يفرض على موسكو إعادة حساباتها، وربما أن اللعبة أصبحت الآن متوازية بين القطبين، وأصبح بيد واشنطن أدوات قوية يمكن أن تسخرها في المفاوضات السورية، ما يطيل عمر المفاوضات ويتسبب في معاناة السوريين. وعلى الرغم من أن ترامب مؤمن بالحل السلمي في سورية، وهو الذي حذّر من الانجرار إلى صراعات الشرق الأوسط، إلا أن المواقف السياسية أو العسكرية قد تجبره على تغيير مواقفه، فعلى سبيل المثل كان الرئيس جورج بوش في بداية عام 2001 يحمل المبدأ نفسه الذي يحمله ترامب اليوم، إلا أن حوادث 11 ايلول(سبتمبر) فرضت عليه تغييراً جذرياً في السياسة الخارجية، ولذا فإن هناك أخطاراً سياسية ومواقف عسكرية ومصالح استراتيجية في الشرق الأوسط، لاسيما في سورية، قد تجبر الرئيس الأميركي على تغيير مواقفه، وقد تتصادم تلك المواقف مع المواقف روسيا وحلفائها في المنطقة، الأمر الذي قد يعرّض سورية والمفاوضات إلى انهيار شامل، وقد تمتد هذه الأخطار إلى العراق في شكل طبيعي، خصوصاً أن أحد فصائل الحشد الشعبي اعتبرت القصف الأميركي على قاعدة الشعيرات تصعيداً خطيراً من شأنه أن يؤدي إلى تدهور الوضع السياسي والأمني غير المستقر في العراق. لقد خلط قرار ترامب الأوراق والحسابات الدولية من جديد، سواء على صعيد الأزمة السورية، لاسيما بعد التقدم الكبير في مفاوضات آستانة أو على صعيد المنطقة في شكل عام، وقد يؤدي ذلك إلى خلط الأوراق في العراق أيضاً، ما ينذر بتداعيات قد تعيد الوضع إلى المربع الأول. * (مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية)
مشاركة :