مالي قررت قبل أيام إلغاء الاتفاقيات التي تحدد إطارا قانونيا لوجود قوتي "برخان" الفرنسية و"تاكوبا" الأوروبية، وكذلك اتفاقية التعاون الدفاعي التي أبرمتها مع فرنسا في 2014 ـ المحلل الفرنسي إيمانويل ديبوي: إعلان السلطات في مالي لن يؤثر على الجدول الزمني لانسحاب قوات "برخان".. من الضروري أن تغير باريس استراتيجيتها في منطقة الساحل يفتح قرار المجلس العسكري الحاكم في مالي إلغاء الاتفاقيات الدفاعية مع فرنسا وشركائها الأوروبيين، الباب أمام تساؤلات بشأن مصير التواجد الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقي. ففي تطور جديد يجسد تدهور العلاقات، أعلن المتحدث باسم الحكومة المالية عبد الله مايغا، في 2 مايو/ أيار الجاري، إلغاء الاتفاقيات التي تحدّد إطارا قانونيا لوجود قوتي "برخان" الفرنسية و"تاكوبا" الأوروبية، وكذلك اتفاقية التعاون الدفاعي التي أبرمتها مع فرنسا في 2014. وحسب مايغا، أبلغت سلطات مالي نظيرتها الفرنسية، بأن إلغاء اتفاق التعاون الدفاعي 2014، سيدخل حيز التنفيذ بعد 6 أشهر من هذا الإخطار (بمعنى سريانه مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل). لكن المتحدث المالي أشار إلى أن قرار بلاده بشأن "اتفاقيات وضع القوات" الموقع في مارس/ آذار 2013 الذي يشكل إطارا لوجود القوة الفرنسية "سيرفال" ثم "برخان" في مالي، إضافة للبروتوكول الإضافي الموقع في مارس 2020 الخاص بوحدات "تاكوبا" الأوروبية سيدخل حيز التنفيذ "بأثر فوري". وبرر مايغا، القرار بالإشارة إلى "انتهاكات متعددة" للمجال الجوي من قبل الطائرات الفرنسية، على الرغم من إنشاء منطقة حظر طيران واسعة فوق الإقليم، منتقدا ما وصفها بـ"الانتهاكات الصارخة" للسيادة الوطنية من القوات الفرنسية. ونشر الجيش الفرنسي عبر وسائل إعلام غربية، في أبريل/ نيسان المنصرم، صورا التقطتها طائرة مسيرة، قال إنها لمرتزقة روس يدفنون جثثا قرب قاعدة عسكرية في بلدة غوسي (شمال)، بهدف اتهام الفرنسيين بترك مقبرة جماعية وراءهم، وهو ما اعتبره المجلس العسكري بمالي "اختراقا فرنسيا لسيادة بلاده، والتجسس على أراضيها دون إذن". ومن الأسباب إلى أدت لإلغاء الاتفاقيات، حسب مايغا، "الموقف الأحادي" لفرنسا خلال تعليق العمليات المشتركة بين القوات الفرنسية والمالية في يونيو/ حزيران 2021، والإعلان في فبراير/ شباط 2022 عن انسحاب قوتي "برخان" و"تاكوبا"، دون تشاور مع مالي. وتعليقا على قرار السلطات المالية، اعتبرت فرنسا في بيان على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، أن هذا القرار "غير مبرر ويطعن رسميًا في أي انتهاك للإطار القانوني الثنائي". واستبعدت باريس أي تداعيات على جدول الانسحاب الحساس والمستمر لقوة "برخان"، وذلك "وفقا للالتزامات التي تم التعهد بها فيما يتعلق بشركائها ومع الحرص على التنسيق والحوار القائم على الاحترام مع القوات المسلحة المالية". ومنذ 2013، تتواجد فرنسا في الساحل، عبر قوة "سيرفال"، التي تحولت في العام التالي إلى قوة "برخان"، بتعداد قوامه حوالي 5100 جندي، وتنفذ معظم عملياتها في مالي. لكن فرنسا قررت في يونيو 2021 إنهاء عملية "برخان"، وتقليص عدد قواتها من 5100 عسكري إلى ما بين 2500- 3 آلاف عنصر، بالإضافة إلى الانسحاب تماما من مدن تيساليت وكيدال وتومبوكتو (أقصى شمال مالي)، داعية حينها إلى "تشكيل تحالف دولي في الساحل يضم دول المنطقة". وآنذاك اعتبرت باماكو هذا القرار "تخليا عنها" و"إعلانا أحادي الجانب" ودون تنسيق ثلاثي مع الأمم المتحدة والحكومة المالية. وإلى جانب "برخان"، تنتشر في شمال شرق مالي فرقة عمل عسكرية أوروبية تسمى "تاكوبا" التي لا يتجاوز تعداد قواتها 800 عنصر، نصفهم فرنسيون. وتضم مجموعة الساحل الإفريقي موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو، وتنشط في دولها العديد من التنظيمات التي توصف بالمتطرفة، ومن بينها فرع "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". نتائج الأزمة الجديدة على الوجود العسكري الفرنسي بهذا الصدد، يرى مدير "معهد الاستشراق الأوروبي" في فرنسا إيمانويل ديبوي، أن هذا الإعلان الجديد لن يؤثر على الجدول الزمني لعملية انسحاب قوات "برخان". ووضح ذلك خلال حديث مع الأناضول بالقول: إن "القوات العسكرية الفرنسية قررت عدم الانقياد لأوامر المجلس العسكري المالي وبالتالي لن تسرع عملية الانسحاب". وأضاف: "في جميع الأحوال، لقد استهلكت الاتفاقيات الدفاعية بين باماكو وباريس والدليل هو قرار فرنسا الخروج من هذا البلد الإفريقي قبل هذا التوتر الجديد خصوصا بعد صدور العقوبات ضد المجلس العسكري المالي". وأشار إلى أن "الجنرال المكلف بعملية برخان أكد أنه لن ينسحب بشكل عشوائي ويخاطر بحياة 2500 عسكري فرنسي لا يزالون متواجدين في بعض القواعد العسكرية في مالي ولن يخرجوا منها بشكل نهائي إلا بحلول الخريف المقبل بسبب عقبات لوجستية وعملية". وأردف: "بعد مغادرة القوات الفرنسية للقواعد الأمامية في تيساليت وتومبكتو وغوسي تدريجيًا، لا يزال يتعين على الجنود الفرنسيين مغادرة قواعد ميناكا وغاو (شمال)". ويعتبر المحلل السياسي أن "الأزمة مع مالي عززت الحضور العسكري الفرنسي في بعض الدول الإفريقية". ويستند في ذلك إلى "تصويت مجلس النواب في النيجر قبل أسبوعين على السماح بنشر المزيد من القوات الفرنسية لمحاربة الجماعات الإرهابية والسماح بدخول 900 عسكري فرنسي إلى ترابها قادمين من مالي". لكنه في المقابل، لا ينفي وجود "واقع مقلق" يتعلق ببعض الدول الإفريقية التي سبق وأن وقعت اتفاقيات دفاعية مع فرنسا كالكاميرون ونيجيريا ومالي وموريتانيا وفي نفس الوقت تتطلع أو وقعت فعليا نفس الاتفاقيات مع روسيا. ويشير ديبوي على سبيل المثال إلى الكاميرون، التي قال إنها وقعت قبل حوالي 3 أسابيع اتفاقية تعاون دفاعية مع موسكو. مراجعة الأوراق تأتي التطورات الراهنة والتوتر المتصاعد بين باماكو وباريس، في ظل دخول موسكو على خط المنافسة في منطقة الساحل لا سيما في مالي وإفريقيا الوسطى حيث أصبحت شركة "فاغنر" المسلحة الروسية تنشط بقوة فيها. وبهذا الصدد، أكد ديبوي أنه "أصبح من الضروري أن تغير فرنسا استراتيجيتها في منطقة الساحل". ووفقا للمحلل الفرنسي، "قد يكمن الخطأ الذي ارتكبته فرنسا في إفريقيا في كثرة الاستراتيجيات التي طبقتها لذا يجب تحسينها". ويختم حديثه بالقول: "لقد تشعبت التدخلات لحل أزمة مالي ومنطقة الساحل، فقد تم إشراك منظمات دولية وحكومية مع إنزال 18 خطة عمل لمحاربة المسلحين وضمان الاستقرار السياسي في الساحل سواء من جانب الاتحاد الإفريقي أو المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا أو الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة". الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :