مقاهي نجيب محفوظ

  • 5/14/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

هل كان أدب نجيب محفوظ سيكون بالثراء الذي هو عليه، لولا مقاهيه؟ ونعني بمقاهيه تلك التي كان يرتادها، هو الذي أدمن هذه العادة، مذ كان فتى صغيراً يرافق والده في الذهاب إلى مقهى «الكلوب المصري»، حيث كان الوالد يطلب له ال «جيلاتي»، ليستمر في التنقل، بعد أن كبر، بين الكثير من «القهاوي»، محافظاً على تلك العادة حتى شيخوخته.شيء من التفصيل حول علاقة نجيب محفوظ بالمقاهي جاء على لسانه في حديث أجراه معه أحد الصحفيين، حيث قال: «أثناء الدراسة الثانوية ذهبت مع أصدقائي إلى قهوة «قشتمر»، وكنا نتنقل بينها وبين قهوة مقابلة لها اسمها «ايزيس» لم تعد موجودة الآن، ثم تجرأنا بعد ذلك وجلسنا في قهوة «عرابي» التي كان يرتادها الكثير من الأكابر في ذلك العصر، ثم نزلنا بعد ذلك إلى الحسين فكانت قهوة الفيشاوي ثم في النهاية تلك القهوة التي أسموها باسمي، وقد كانت في الأصل خرابة تابعة لهيئة الآثار وحولها أحد المهندسين بعد حصولي على جائزة «نوبل» إلى تلك القهوة الأنيقة الموجودة الآن». هذا القول نقله الباحث التونسي رشيد الذوادي الذي ألفَّ كتاباً عن «مقاهي نجيب محفوظ في الذاكرة»، استعرض فيه تاريخ المقاهي في مصر، ومكانتها في التاريخ السياسي والثقافي للبلد، حيث كانت حاضنة الناس من مختلف المشارب والأهواء والميول، وفيها تدور النقاشات والحوارات حول شتى القضايا التي ينشغل بها المجتمع في الفترة المعنية، ناهيك عن كونها أمكنة للسمر والتسلية وتجزية الوقت والاستمتاع بالصحبة، كما هو شأن المقاهي في البلدان العربية الأخرى.التقط مؤلف الكتاب إشارات واضحة في نصوص محفوظ الروائية والقصصية عن المقاهي والفتوات والخناقات كما هو بادٍ في «بداية ونهاية» و«قصر الشوق» و«زقاق المدق»، و«الكرنك»، و«الثلاثية»، و«قشتمر» وغيرها، بل إن أسماء بعض رواياته هي في الأصل أسماء بعض المقاهي التي كان يرتادها كما هي الحال مع رواية «الكرنك». نجيب محفوظ نفسه أشار في أحد أحاديثه إلى أن المقهى هو المكان الذي يلتقي فيه بأصدقائه الخصوصيين، أو الذي يجلس فيه وحده ليتأمل من يمرون في الشارع أمامه، أو الذي يرتاده لكي يدخن الشيشة، وفي الحال الأولى بالذات، أي تأمل من يمرون في الشارع يمكن أن نعثر على مفتاح من مفاتيح محفوظ في بناء شخصياته الروائية، وهي، على أية حال، مفاتيح متعددة.حين أقارن المقاهي التي عرفها وارتادها محفوظ، واستوحى منها كل هذا الثراء والمقاهي التي تضمها المجمعات الاستهلاكية اليوم، أشعر بالفرق الشاسع بين أماكن تضج بالحياة وتستنشق هواءها وغبارها، وأماكن كأنها ملفوفة بورق السيلوفان. د.حسن مدنmadanbahrain@gmail.com

مشاركة :