العزلة والعزوف عن الاحتفال يدفعان النساء إلى الانتحارالعزوف المتكرر عن المشاركة في اللقاءات والاحتفالات والمناسبات الاجتماعية ينشئ لدى المرأة حاجزا يفصل بينها وبين المجتمع. ويكبر هذا الحاجز شيئا فشيئا، ويحاصرها داخل قوقعة، فلا ترى نفسها خارجها ولا تشعر بالتوازن إلا عندما تكون لوحدها. ولأن الإنسان مدني بطبعه لا يمكن للوحدة أن تكون سلوكا سليما. فمع مرور الوقت تتحول العزلة إلى كابوس يقنع المرأة بعدم جدواها في الحياة، فتقرر إنهاء مأساتها بالإجهاز على نفسها.العرب [نُشر في 2017/05/14، العدد: 10632، ص(21)]هناك علاقة وطيدة بين الوحدة والمرض القاهرة – المرأة بطبيعتها مخلوق اجتماعي يسعى دائما لخلق علاقات اجتماعية مع الآخرين والبحث عن طرق للتواصل بشكل دائم مع المحيط الاجتماعي. لكن قد يتبدّل الأمر عندما تصاب المرأة بحالة نفسية سيئة تجبرها على الانعزال عن محيطها والبقاء بمفردها بعيدا عن الأصدقاء والأسرة. وقد يصل بها الأمر إلى العزلة الاجتماعية التامة التي من شأنها أن تسبب تداعيات نفسية وصحية تضر بالمرأة وقد تقودها إلى الانتحار. ووجدت مجموعة من الباحثين الأميركيين أن العزلة الاجتماعية من شأنها أن تمثل خطرا قاتلا يهدد توازن الإنسان وصحته، واعتبروها لعنة تؤدي في النهاية إلى الموت البطيء. وأثبت العلماء أن هناك علاقة وطيدة بين الوحدة والمرض، لأن العزلة الاجتماعية تغير الجينات البشرية بطرق عميقة وطويلة المدى، وتتساوى احتمالات الضرر التي تنتج عن تلك التغيرات الجينية مع الآثار السلبية الناتجة عن التدخين والسمنة ومرض السكر. وتقول كرستين غيرست أستاذة مساعدة بجامعة علم الشيخوخة بجامعة جورجيا الأميركية “الأشخاص الذين يعانون من العزلة الاجتماعية والوحدة يموتون أسرع وهم أقل صحة ويكلّفون المجتمع الأميركي الكثير، كما يزداد لديهم خطر التعرض للأزمات القلبية والسرطان والزهايمر وأمراض أخرى”. ووجدت الباحثة أن الخلل في أحد أنواع خلايا الدم البيضاء التي تنتج في نخاع العظام والتي تتغير بشدة من الناس الذين يعانون من العزلة، فهذه الخلايا تسبب الالتهابات وتقلل الأجسام المضادة وتتكاثر في الدم وتؤدي إلى أضرار وخيمة. وكشفت دراسة أجريت في بريطانيا أن المتزوجات اللائي لديهن علاقات اجتماعية واسعة ويشاركن في المناسبات الاجتماعية والدينية المختلفة يكنّ أقل عرضة لاتخاذ قرار الإقدام على الانتحار بالمقارنة مع المتزوجات اللائي يعانين من العزلة الاجتماعية. ووجد الباحثون أن اللقاءات والعلاقات الاجتماعية تؤديان إلى تعزيز هياكل الشبكة الاجتماعية القائمة والتي من شأنها أن تقي الشخص من اللجوء إلى الانتحار. وأجريت الأبحاث على أكثر من 72.607 سيدة تراوحت أعمارهن ما بين 46-71 عاما، وتم تحليل علاقاتهن الاجتماعية ومدى معاناتهن من عزلات اجتماعية. وبالمتابعة وجد حدوث 43 حالة انتحار وكان التسمم أكثر الوسائل التي تم استخدامها للانتحار، تليه الأسلحة النارية والشنق. كما وجد أن خطر الانتحار كان أقل بين النساء اللائي تمتعن بالتواصل الاجتماعي. وعن أعراض العزلة الاجتماعية، تقول نادية نصير استشارية الصحة النفسية “أعراض إصابة الشخص بالعزلة الاجتماعية كثيرة وأهمها الشعور بالإحباط وسيطرة الأفكار التشاؤمية السلبية على تفكيره، فلا يرى في حياته إلا الجانب المظلم. وقد يصاب الفرد بتغيرات مزاجية حادة دون سبب واضح، حيث يتغير مزاجه وفقا لأفكاره ومعتقداته الخاصة التي في أغلب الأحيان ما تكون خاطئة. مما ينتج عنه فقد التواصل الاجتماعي بمن حوله ونسج علاقات جديدة”.المتزوجات اللائي يشاركن في المناسبات الاجتماعية المختلفة يكن أقل عرضة لاتخاذ قرار الإقدام على الانتحار وأشارت نصير إلى أن المريض يفتقد الذكاء الاجتماعي، فهو يتجنب الآخرين لعدم قدرته على التواصل معهم بشكل مباشر ويشعر بالغربة عندما يكون وسط مجموعة بشرية. وقد يؤدي به ذلك إلى تدهور الحالة وتفاقمها. لذلك يفضل البقاء وحده ويرفض مغادرة منزله حتى لا يكون وسط تجمع بشري، رافضا أيّ شكل من أشكال التواصل وهو دائما ما يشعر بالقلق والاضطراب حتى أثناء وجوده بمفرده. وتوضح نادية أن هناك أنواعا مختلفة من العزلة الاجتماعية، منها العزلة الفكرية التي تحول دون تقدم الفرد وتطوره وتتمثل في عدم التشجيع الفكري من خلال القراءة والاطلاع على الإنترنت. كذلك بعض العائلات تفرض بعض العزلة الاجتماعية على أبنائها، وهو ما يجعلهم يجدون صعوبة في التواصل مع الآخرين في المستقبل. كما أن هناك مجتمعات معزولة منغلقة على نفسها، حيث أنها لا تسمح لأفرادها بالخروج من القرية والاختلاط مع الآخرين. وبينت الأخصائية أن العزلة قد يختارها الشخص بنفسه وهي إما أن تكون دائمة أو مؤقتة، فالكثير من الأشخاص يتعرضون لأزمات نفسية شديدة تجعلهم ينعزلون عن المجتمع وعن الأشخاص المحيطين بهم ويكون الاختيار في أيديهم في الخروج من العزلة أو البقاء فيها. ولفتت إلى أن العزلة الدائمة لا تتعدى نسبة 5 بالمئة وهناك عزلة مؤقتة تفيد صاحبها في استعادة نشاطه وقوته، حيث أنه ينفصل عن المجتمع لمدة ثلاثة أو أربعة أيام، ثم يعود مجددا بكامل قوته، موضحة أن أقصى عقوبة في السجون هي الحبس الانفرادي والعزلة، والتي قد تؤدي في حالات كثيرة إلى الوفاة. أما سعد عبدالرحمن أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة عين شمس فيشير إلى أن التكنولوجيا الحديثة وانتشار الإنترنت لهما دور رئيسي في إصابة الإنسان بالعزلة الاجتماعية، فعلى الرغم من المميزات التي وفرتها التكنولوجيا للإنسان إلا أنها أفقدته العديد من الممارسات الحياتية التي كانت موجودة قبل دخول التكنولوجيا حياته. وأصبح الفرد في عصرنا هذا لا يستطيع بأيّ شكل من الأشكال الاستغناء عن التكنولوجيا الحديثة مثل التلفزيون والهاتف المحمول والكمبيوتر والإنترنت بكل ما فيها من مميزات وعيوب. ولفت إلى أن هذه الوسائل سهلت الحياة اليومية على الفرد، لكنها تدخلت في الوقت نفسه في القيم والعادات الاجتماعية وأخفت التواصل المباشر بين أفراد المجتمع وأصبحت وسيلة هروب الإنسان من مشاكله الشخصية والأسرية. وهو ما نتجت عنه قلة التواصل الاجتماعي والتفاعل، مما أدى إلى زيادة حدة العزلة والوحدة، وعدم الانخراط بين أفراد الأسرة، والجلوس في حالة انفراد وفي صمت. وساهم ذلك في حدوث اضطرابات نفسية ومشاكل في النمو العقلي. وينصح عبدالرحمن بأنه على الفرد أن يخصص جزءا من وقته للتواصل المباشر في المجتمع لكي يستطيع الخروج من تلك العزلة الاجتماعية التي فرضتها التكنولوجيا عليه .وقد حدد علماء النفس مجموعة من النقاط للتغلب على العزلة الاجتماعية وأهمها التخلص من الذكريات السلبية التي من شأنها أن تؤثر على نفسية الفرد.
مشاركة :