الاحتلال بدأ مع نكبة 48 وليس مع نكسة 67 ـ

  • 5/14/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بوعي أو من دون دون وعي، تتم عملية تشويه تاريخ القضية الفلسطينية وتاريخ الصراع مع الاحتلال، من خلال ترديد القول من جهات فلسطينية ودولية بأن الصراع في المنطقة بدأ مع حرب حزيران 1967 وأن فلسطين المحتلة هي الضفة وغزة فقط. نفهم أن يندرج هذا الخطاب أو التوصيف في سياق فن إدارة الصراع مع الاحتلال، أو من مستلزمات فن الممكن، الذي يمنح القيادة السياسية إمكانية تحقيق انجازات متدرجة والحفاظ على حيوية القضية الوطنية عندما لا تكون الظروف وموازين القوى مواتية لتحقيق الهدف الاستراتيجي وهو قيام دولة فلسطين الديمقراطية على كامل تراب فلسطين، أو حتى الإفصاح عنه، بل يمكن تَفهُم أن تسعى القيادة السياسية لتسوية سياسية هدفها قيام دولة على حدود 1967 وفي إطار الشرعية الدولية بدون الإشارة إلى بقية أرض فلسطين. لكن لإستراتيجية إدارة الصراع مع الخصم، وللسياسة كـ "فن الممكن" كما يصفها البعض حدود، وحدودهما ألا يمسا أو يسيئا للتاريخ والثقافة والهوية الوطنية أو للثوابت الوطنية كما تختزنها ذاكرة الشعوب، وفي التجسيد العملي لإدارة الصراع والسياسة كفن الممكن في الحالة الفلسطينية فإن التسوية السياسية غير واضحة المعالم وموازين القوة مختلة جدا لصالح إسرائيل وبالتالي فإن النتائج – الدولة الفلسطينية - غير مضمونة. وعليه، وإلى حين الانتقال من عملية التسوية السياسية إلى السلام العادل بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية والتوصل لحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، إلى حين ذلك يجب التعامل والنظر إلى أن كل فلسطين من البحر إلى النهر أراضي محتلة وسيبقى جوهر القضية التحرير والعودة ومرجعية الشعب الفلسطيني هو الميثاق الوطني الفلسطيني. من هذا المنطلق فإن الخطاب السياسي الرسمي، الذي هو من مستلزمات أو اكراهات تسوية لم تنجح حتى الآن، يجب أن لا يمتد إلى الوعي السياسي والثقافي الشعبي وألا ينسحب إلى التاريخ. وللأسف فإن عملية كي وعي يتم ممارستها من خلال توظيف خطاب سياسي يخلط بين التسوية والسلام، وبين مشروع حل الدولتين الغامض والملتبس من جانب وقيام الدولة الفلسطينية بالفعل من جانب آخر، وتمرير مغالطة أن الصراع بيننا وبين الحركة الصهيونية بدأ مع حرب حزيران 1967. خطورة هذا الخطاب بالإضافة إلى ما سبق إنه يحول تاريخنا الفلسطيني الذي يمتد لأكثر من أربعة آلاف سنة إلى مجرد أكذوبة، وتصبح منظمة التحرير بكل فصائلها الوطنية وكل النضال الوطني ما قبل حرب 1967 كأنهم لم يكونوا أو خطأ يجب الاعتذار عنه، وأن آلاف الشهداء الذين سقطوا تحت راية العودة والتحرير، وآلاف الأسرى الذين يعانون في سجون الاحتلال وملايين الفلسطينيين في مخيمات وبلدان الشتات، كل هؤلاء كان مغررا بهم، والأهم والأخطر أن هذا الخطاب الذي يروج أن الاحتلال بدأ مع حرب حزيران 67 يعطي مصداقية للرواية الصهيونية على حساب روايتنا الفلسطينية والعربية والإسلامية. السياسة قد تؤثر في الجغرافيا (الجيوبوليتك) لكن قدرتها في التأثير وتغيير الحقائق التاريخية والثقافية تبقى محدودة إن لم تكن معدومة . تاريخيا لم تعرف المنطقة إلا اسم فلسطين والتي تعني كل فلسطين من النهر إلى البحر وكان شرق الأردن جزءا منها، ولم يرد في أية وثيقة تاريخية اسم إسرائيل كدولة. حتى الحركة الصهيونية في مؤتمر بال في سويسرا ذكرت أن هدفها إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ووعد بلفور 1917 وعد اليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، وقرار التقسيم تحدث عن تقسيم فلسطين إلى دولتين، فكيف يتلاعب البعض ويغيرون التاريخ لتصبح فلسطين غزة والضفة فقط. والحديث لا يدور عن دولة فلسطينية قائمة بالفعل في غزة والضفة بل عن "مشروع" دولة، وفي حالة فشل التسوية التي تُنظر لهذا المشروع ستتلاشى دولة فلسطين وأسم فلسطين نهائيا، وهنا نذكر بخطأ الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير وإسرائيل حيث اعترفت منظمة التحرير بدولة إسرائيل وحقها العيش بسلام، مقابل اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير وليس بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة. يعتبر قرار التقسيم 181 الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947 أول من غير في جغرافيا فلسطين بتقسيمها إلى دولتين لا تحمل أية منهما اسم فلسطين، حتى إسرائيل التي قامت على أساس هذا القرار تجاوزت القرار في مسمى الدولة حيث القرار يتحدث عن قيام دولة يهودية ولم يذكر كلمة إسرائيل، وتجاوز أيضا حدود الدولة حيث قرار التقسيم منح اليهود 55% من مساحة فلسطين بينما دولة إسرائيل قامت بعد حرب 1948 (النكبة) على مساحة 78% من مساحة فلسطين، أما دولة فلسطين في الضفة وغزة حسب تسوية حل الدولتين فهي حديثة العهد وما زالت ملتبسة في جغرافيتها ومقومات سيادتها ومرجعيتها وفي إمكانية قيامها بالفعل. خلاصة القول إن قضيتنا بدأت مع النكبة وليس مع النكسة، ودولة غزة والضفة مجرد مشروع تسوية سياسية أو اعترافات وقرارات على ورق يمكن التراجع عنها ضمن حسابات مصالح دولية، أما الحقيقة الثابتة فهي فلسطين التاريخية الخاضعة بكاملها للاحتلال حتى الآن.   د. إبراهيم أبراش أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر – غزة Ibrahemibrach1@gmail.com

مشاركة :